أعرف أن جميع الوالدين يقولون إن: ابنتي رائعة، ولكن هذا صحيح. فقد علَّمتْ نفسها القراءة عندما كانت في سنّ الرابعة. ولطالما كانت رقيقة الشعور، وتبادر بالاهتمام، وعقلها يستوعب دائماً كُلّ قصَّةٍ. ولم نتفاجأ كثيراً عندما خضعت للاختبار في برنامج تقييم الموهوبين في مدرستها.
أما أنا شخصيا فقد تلقيت تعليمي أصلا في التعليم المنزلي وليس في المدرسة، ولذلك أبهرتني العمليَّة بأكملها. فقد أثارت أسئلةً حول قيمي للتعليم ليس لابنتي فحسب بل لبلدنا بأكمله. وينبغي على جميع المدارس الحكومية، وفقاً للمبادئ التوجيهيَّة الفيدراليَّة، توفير موارد دراسية وتربوية ومادية لغرض تحديد الطُلَّاب «الموهوبين» ودعمهم. والافتراض العامّ هو أن الطُلَّاب الموهوبين أذكياء، ويستحقّون مواد دراسيَّة أصعب، ومزيداً من المشاركة. ولكنّ الحال ليس هكذا دائماً. فقد أخبرنا مُعلِّم ابنتنا للصفّ الثاني أنّه توجد اختلافاتٌ بين المُتعلِّمين «الأذكياء» و«الموهوبين» – فالأذكياء يميلون إلى أن يكونوا من ذوي الأداء العالي، أمَّا الموهوبون فمن الممكن غالباً أن يجدوا صعوبةً في المواد الأكاديميَّة.
يتعلَّم بعض التربويين أن يصفوا الموهبة على أنها في الواقع مسألة تطوِّرٍ غير متزامنٍ: فقد يكون دماغ الطفل قادراً على فهم مسائل حسابيَّة مُعقَّدة واستيعابها، بينما يفشل اجتماعيَّاً في فهم إشاراتٍ غير لفظيَّةٍ عند التواصل غير الكلامي، وليس له قابلية بدنية ليشترك في اللعبات الرياضية للأطفال. كما يزداد وعي التربويين بأن قدرات التعلُّم المُتقدِّمة لدى بعض الأطفال تتزامن مع حالات مرضية أخرى مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، أو اضطراب الوسواس القهريّ، أو غيرها – وهؤلاء الطُلَّاب يُسمّون مُتعلِّمين استثنائيّين مضاعفاً، ويُرمَز لهم بمصطلح (2e).
ما الذي أردته بالضبط لطفلتي الموهوبة أن تحصل عليه من تعليمها؟
أجد هنا في الولايات المُتَّحدة، التي يُعتبَر فيها التعليم حقَّاً ومنافسةً، أن برامج تقييم الموهوبين يخلق توتُّرا بين مَحبَّة قريبنا (أخينا الإنسان) وبين الدفاع عن أطفالنا. فبدأتُ أطرح أسئلةً: من يُعتبَر موهوباً؟ ما هي المدارس التي ينتهي بها الحال باستقدام هؤلاء الموارد التربوية الإضافيَّة المرغوب بها؟ ما الذي أردته بالضبط لطفلتي الموهوبة أن تحصل عليه من تعليمها؟
ربَّما يجب علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال الأخير بالأكثر. فأنا أرى أنّ المدرسة الجيِّدة تجعل الطُلَّاب يشعرون بالأمان والاهتمام، وتخدم جميع طُلَّابها على حدٍّ سواء، وتغمرهم بالشغف بالعالم – وهذا مفتاح التعلُّم مدى الحياة. ويعتبر آخرون أن الإجابة قد تنطوي على مواد أكاديميَّة مليئة بالتحدِّيات أو دَفعةٍ ليصبح الناس مواطنين أفضل أو تحضيرهم للوظائف الناجحة.
ومع ذلك، فإن هذه ليست طريقة تقييم المدارس أو النقاش عنها في كثيرٍ من الأحيان. فغالباً ما يتعرَّف الناس - على الأقلّ معارفي - على جودة مدارسهم الحكومية المحليَّة من مواقع الإنترنت التي تُصنِّف المدارس وفقاً لدرجات الاختبار القياسيَّة التي يحققها الطلاب. فهل هذه التصنيفات تعكس الذكاء الاجتماعيّ والعاطفيّ، أو مشاركة الطُلَّاب، أو التأثير المجتمعيّ، أو ثقافة الرعاية؟ لا، كما أن هذه التصنيفات لا تعتمد على شهادة المُعلِّمين والطُلَّاب والوالدين الذين يمكن القول إنهم أفضل الخبراء بخصوص كيفيَّة أداء المدرسة.
اقترح المُعلِّمون أن التوصُّل إلى مقاييس تعكس قيَمنا الفعليَّة بشكلٍ أفضل (بما في ذلك أشياء مثل البيئة التعليميَّة والمشاركة المدنيَّة وتخصيص الموارد الدراسية والتربوية والتقدُّم الأكاديميّ) يمكن أن يساعدنا على تحديد المدارس التي تعمل بجدّيَّةٍ لكُلّ طفلٍ في المجتمع المحليّ.
عندما شعر جاك شنايدر Jack Schneider، مُؤلِّف كتاب ما وراء درجات الاختبارات Beyond Test Scores، بالإحباط من كيفيَّة تقييم المدرسة التي يسكن بجوارها، بدأ البحث عن سبب حدوث ذلك. ويشير شنايدر إلى أنه عندما بدأنا النظر إلى التعليم كسلعةٍ خاصَّة بدلاً من كونه مصلحةً عامَّة، أصبح سباقاً للتعليم الأفضل. وهذا ما يُسمَّى في علم الاقتصاد بالسلعة الوظيفيَّة. أي بمعنى أن المصلحة الخاصة أصبحت أفضل من المصلحة العامة. فتعليمك لا جدوى منه إلَّا إذا كان أفضل من تعليم شخصٍ آخر. وبسبب هذا لا يوجد حافزٌ قويّ لوضع الموارد في المدارس التي تُحرِز أداءً أقلّ، وبذلك تستمرّ التفرقة وعدم المساواة وتستفحلان أكثر فأكثر.
يستكشف شنايدر بعد ذلك مقاييس النجاح التي لا يمكن اختبارها دائماً. فيعمل بالتعاون مع باحثين وتربويين وعلماء آخرين على تغيير كيفيَّة تحليل المدارس في ولاية ماساتشوستس التي يقيم فيها، بما في ذلك وجهة نظر المُوظِّفين والطُلَّاب وأفراد المجتمع المحليّ عن مدرستهم كجزءٍ مُهمّ من التقييم. ويرى شنايدر وآخرون إلى حدٍّ ما أن أصحاب الشأن الفعليّين هم أفضل من يعرف طريقة خدمة المدرسة للمجتمع المحليّ. ويتطلَّب هذا النوع من التحليل مزيداً من العمل والإعداد، ولكنني أعتقد أنه الخطوة الصحيحة لضمان جعل جميع المدارس قاطبة أماكن يزدهر فيها جميع الأطفال.
لقد تغيَّرَتْ أحياءٌ سكنيَّة بأكملها بسبب تصنيف المدارس على أنها جيِّدة أو رديئة، أو فاشلة أو مرغوب فيها. إذ ينتقل الأشخاص المتمكنون ماديّا إلى الأحياء التي توجد فيها مدارس «جيِّدة،» ممَّا يُؤدِّي إلى رفع الأسعار، وبالتالي عدم قدرة العائلات ذات الدخل المنخفض على تحمُّل تكاليف العيش فيها. وفي نظامٍ غير متكافئ، يُؤدِّي هذا الاختيار إلى كثافة المجتمعات المحليَّة ذات الدخل المنخفض التي غالباً ما تُتاح لمدارسها موارد دراسية وتربوية أقلّ.
أليس هدف التعليم ازدهار كُلّ طفلٍ؟ فنرى من الرسالة الرسمية لوزارة التربية والتعليم الأمريكية أن الأهداف التي ترمي إليها هي: «تقوية تحصيل الطُلَّاب... من خلال تعزيز البراعة التربوية وضمان الوصول المتكافئ». ولكن هذا لا وجود له في الحقيقة في ولاية أوريغون التي أقيم فيها. ففي حين أن التمييز القائم على أساس العِرق أو الدخل مخالفٌ للقانون، فإن أولياء الأمور الذين ينتقلون إلى درجاتٍ اجتماعيَّة أرقى وجدوا وسائلَ للتلاعب بالنظام لصالحهم، غالباً تحت سِتار عمل ما هو أفضل لأطفالهم. وفي الثقافةٍ المسيحيَّة التي غالباً ما تُشجِّع الناس على التركيز على عائلاتهم، تم تعميد وقبول ممارسة هذا الأسلوب من التلاعب باسم ما يُعرف بالمنطق السليم. وفي الوقت نفسه، عانت المصلحة العامَّة في مجتمعاتنا. فلا تزال المدارس الحكومية العامَّة في الولايات المُتَّحدة معزولة على أساس الدخل والعِرق، ممَّا يُؤدِّي إلى عدم تخصيص الموارد بالتساوي لأطفال بلادنا.
إنّ مسألة برامج تقييم الموهوبين في المدارس الحكومية هي واحدة من مشكلة أكبر. وتضمّ مدرستنا الابتدائيَّة المحليَّة في ضواحي مدينة بورتلاند نسبة 56 بالمائة من أصلٍ إسباني و20 بالمائة من البِيض. ويتأهَّل 94 بالمائة من الطُلَّاب لبرنامج الغداء المجانيّ والمُخفَّض، ممَّا يعني أنهم يعيشون بالقرب من خط الفقر أو تحته. كما أن المدرسة ثريَّةٌ من الناحية الثقافيَّة، فعدد اللغات المنطوقة داخلها يتجاوز 27 لغةً.
ومدرستنا التي يقلّ عدد طُلَّابها عن خمسمائة طالبٍ بقليلٍ تضمّ ثماني أطفالٍ خضعوا لاختبار برنامج الموهوبين، أي أقلّ من 2 بالمائة من إجماليّ عدد الطُلَّاب. ونصف أولئك الطُلَّاب من البِيض. وبشكلٍ عامّ، تعتبر مُعدَّلات الطُلَّاب الذين اختيروا كموهوبين منخفضة، وفي حين يخبرني مدير البرنامج أنهم يعملون بنشاطٍ من أجل المزيد من المساواة بخصوص هذه الأرقام، فإنها لا تتطابق مع تركيبة الأعراق في المدرسة. ويبدو أن السبب هو أن المُعلِّمين ونظام الاختبار المُوحَّد لا يُؤدِّيان عملاً جيِّداً في تحديد مجموعةٍ واسعة من المُتعلِّمين الموهوبين، وخصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى خلفيَّاتٍ ثقافيَّة أو عِرقيَّة مختلفة.
وعلى النقيض من ذلك، يضمّ أحد القطاعات التعليميَّة «الأفضل» في الولاية أرقاماً مختلفة إلى حدٍّ كبير. إذ تضمّ مدرسةٌ ابتدائيَّة تتمتَّع بتصنيفٍ مرتفع 88 في المائة من البِيض، وأقلّ من 8 في المائة من الطُلَّاب المُتأهِّلين للحصول على وجبات غداءٍ مجانيَّة ومُخفَّضة، و5 في المائة من الطُلَّاب الذين خضعوا لاختبار برنامج الموهوبين. فهل الطُلَّاب في هذه المدرسة أذكى بطبيعتهم لأن الأكثريَّة من البِيض والأقليَّة من الفقراء؟ أم، أن شيئاً آخر يحدث هنا؟
تُؤثِّر هذه الأنواع من التفاوتات على الطُلَّاب في جميع أنحاء البلاد. ويُؤكِّد صحافيَّون في مقالةٍ نُشِرَت في صحيفة نيويورك تايمز حول برنامج الطُلَّاب الموهوبين في شارلوتسفيل، فيرجينيا، على أنّ هذه البرامج قد استُخدِمت لإعادة تقسيم النظام المدرسيّ في أجزاءٍ كثيرة من البلاد. وتشير البيانات الفيدراليَّة إلى أنه في العام 1984 تأهَّل 11 بالمائة فقط من الطُلَّاب البِيض في شارلوتسفيل كموهبين. وبحلول العام 2003 تأهَّل حوالي ثلث الطُلَّاب البِيض، وحالياً، فإنّ احتمالية دخول الطُلَّاب البِيض في شارلوتسفيل في دوراتٍ دراسية مُتقدِّمة هي ستَّة أضعاف احتمالية دخول الطُلَّاب السُود.
تُمثِّل مدرستنا المحلية ما يقوله لنا المسيح عن ملكوت الله.
هذه مُجرَّد صورةٍ واحدة لكيفيَّة تأثير العِرق على نظام التعليم الحكومي. وبعد قضيَّة براون ضدّ مجلس التعليم في العام 1954 حدثت أمور كثيرة تجنَّب فيها أولياء الأمور البِيض دمج المدارس. وللأسف تورَّط العديد من المسيحيّين في هذا، حيث ساهمت المدارس المسيحيَّة الخاصَّة ومبادرات التعليم المنزليّ بشكلٍ مباشر في نوعٍ جديد من الفصل العنصريّ، وهو فصلٌ لا يستند إلى الخطابة العنصريَّة الصريحة بل إلى فكرة الحقّ في الاختيار الشخصيّ.
ومع ذلك، كان اختيار المدرسة وسيلةً للمساواة أيضاً. فتشير نيكول بيكر فولغهام Nicole Baker Fulgham في كتابها «تعليم جميع أولاد الله» إلى أن القساوسة الأمريكيّين من أصلٍ إفريقيّ، إلى جانب أعدادٍ متزايدة من رجال الدين من أصلٍ لاتينيّ وإسباني، شجَّعوا على بدائل للأطفال في مجتمعاتٍ منخفضة الأداء عادةً – إمَّا عن طريق تأسيس مدارسهم الخاصَّة وإما طلب قسائم للمدارس المُستقلَّة والخاصَّة. وتذكر نيكول أنه في الوقت الذي تدرك فيه نضال المسيحيّين في الأحياء التي لا تقيم فيها أغلبيَّةٌ من البِيض في كثيرٍ من الأحيان من أجل تحقيق العدالة في النظام المدرسيّ، فإنها بخلاف ذلك لم تشهد دفعةً كبيرة مُنسَّقة من أجل العدالة التعليميَّة التي في وسعها أن تساعد جميع الأطفال.
عموماً، قد يكون الوقت قد حان للانتباه إلى التأثير السلبي القوي الذي تسببه ظاهرة إعطاء الأولويَّة لحق اختيار المدرسة، ذلك الحقّ الذي تدعمه السياسة التربوية للحكومة، ويفيد المنتفعين منه إفادةً كبيرة، سواء كانوا أغنياء أو ذوي دوافع عنصرية. وإنّ ما يسمى بمنهج «السوق الحرة للتربية والتعليم» ذي التوجه التجاري وتحويل التعليم إلى القطاع الخاص، الذي يطالب بالحقيقة كل أسرة بدفع تكاليف تعليم أولادها إلى المدرسة التي يختارونها، أدَّى إلى زيادة كثافة الأطفال ذوي الدخل المنخفض في المدارس الحكومية المحليَّة. وهذه بالحقيقة عملية إعادة زرع التفرقة في النظام التربوي.
ما العلاقة الصحيحة للخيار التعليميّ بالنسبة للمسيحيّ؟ المسألة مُعقَّدةٌ، وكثيراً ما أفكِّر فيما كان بولس يحاول توصيله في رسالة غلاطية: «فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا... فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ، بَلْ بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: ‹تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِك.›« (1:5، 13-14) فقد توقَّعَ بولس، الذي كان يتَّسم بحسّ معرفة البشر، أنّ إغراء الحريَّة يمكن أنْ يجعل طبيعتنا الأنانيَّة تبحث أحياناً عن الأفضل لأنفسنا مع نسيان مسؤوليَّتنا تجاه قريبنا – أخينا الإنسان.
كيف نُحبّ أطفالنا الذين يتَّسمون بالقيمة والتفرُّد والذكاء، ونُعلِّمهم في عالمٍ تدفعه مقاييس النجاح الخارجيَّة والخوف من ندرة الموارد التعليمية؟ لا يزال هذا سؤالاً مطروحا على عائلتي. فإني لا أزال أتفاجأ بمدى سهولة الانزلاق في عقليَّة الرغبة في الحصول على الأفضل لطفلتي، وربَّما حتَّى على حساب الآخرين.
على الرغم من تصنيف ابنتي ضمن الموهوبين في العام الماضي، لا تُقدِّم مدرستها الكثير في مجال الإثراء لمثل هؤلاء الأطفال. واعتمدت المدرسة في العام الماضي على سخاء مُعلِّمٍ رغب في التخلّي عن وجبة الغداء مرَّةً واحدة في الأسبوع لتعليم البرمجة. وفي هذا العام لم توجد اجتماعاتٌ ولا عمل إضافيّ بل مُجرَّد خطَّة عملٍ مبهمة لتشجيع ابنتي على قراءة مجموعةٍ أوسع من الكتب. وباعتباري والدتها أشعر بخيبة الأمل بسبب رغبتي في رؤية قدراتها موضع التحفيز. ولكنني راجعتُ ببطءٍ دوافعي ومخاوفي. ففي عالم مدارس النطاق الأوَّل التي تعاني من انخفاض أجور المُوظِّفين وقلَّة عددهم، فإنّ طلب موارد دراسية إضافيِّة لأقلّ من 2 بالمائة من عدد الطُلَّاب يجعلني شخصيَّةً غير أخلاقيَّة أو على الأقلّ جزءاً من المشكلة.
يسهل عليَّ الانزلاق في عقليَّة الرغبة في الحصول على الأفضل لطفلتي، وربَّما حتَّى على حساب الآخرين.
وعوضاً عن ذلك نواصل، بالتعاون مع أولياء الأمور والمُعلِّمين الآخرين، بناء موارد دراسية وتربوية سوف تفيد مجموعةً أوسع من الطُلَّاب: إعادة معرض الكتاب الخاصّ بدار نشر Scholastic، وتكوين فريقٍ من الأطفال للتنافس في برنامج محليّ للقراءة، والتشجيع على رسم جداريَّة خارج المدرسة للاحتفاء بالتنوُّع العرقي الرائع الموجود بين جدرانها. وتشكَّلت مُؤخَّراً مجموعةٌ قياديَّة لأولياء الأمور، ويُقدِّم أولياء الأمور من خلفيَّاتٍ مُتنوِّعة طلباتهم لإجراء تحسيناتٍ بما في ذلك زيادة العمل الأكاديميّ الذي يُحفِّز أطفالهم. ومعاً نجعل المدرسة تستمرّ في العمل للجميع وفق ما أثبته دائماً التكامل العِرقيّ والاجتماعيّ-الاقتصاديّ.
تصعب المبالغة في تقدير مدى قوَّة الرغبة في النجاح في تشكيل مجتمعنا. ولكن النتيجة النهائيَّة هي نفسها: دمج الموارد والاستفادة منها والفصل بينها. تُهجَر المدارس هذه الأيام في المناطق ذات مُعدَّلات الفقر المرتفعة أكثر من أيّ وقتٍ مضى لصالح الدرجات الأفضل في الاختبارات. وكُلّنا مسؤولون عن هذا. فبما أننا مؤمنون، هل نريد طلب «الأفضل» لأطفالنا؟ أم، أننا نُصدِّق بولس عندما يقول: «الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي؟»
تُحبّ ابنتي مدرستها. فشخصيّتها التي تعتزّ بها كثيراً تتشكَّل من زملائها (والعديد منهم من اللاجئين والمهاجرين من أماكن نراها باستمرارٍ في عناوين الأخبار)، وهي أيضاً من المُعلِّمين والمُوظَّفين وأولياء الأمور وأفراد المجتمع. فابنتي تكبر، بالمفارقة معي، ولديها وعيٌ بكيفيَّة التعامل مع الاختلافات الحقيقيَّة في الدين والثقافة والعِرق والمواد الأكاديميَّة، وتتمتَّع بهبة الوجود في الأقليَّة (التي قد تفيدها في المستقبل مع استمرار الولايات المُتَّحدة في النموّ بمزيدٍ من التنوُّع).
أمَّا مدرستنا الحكومية المحليَّة، التي يبدو من بعض الجوانب أنها تفتقر إلى الموارد الدراسية والتربوية أو المسارات المُخصَّصة للطُلَّاب الموهوبين، فتفعل شيئاً أكثر قيمةً: إنها محرابٌ وأحد الأماكن القليلة في مدينتنا ومجتمعنا المحليّ الملتزمة بمساعدة الجميع بغضّ النظر عن وضعهم. فعندما أدخل المدرسة أشعر أحياناً وكأنها مكانٌ مُقدَّس، فهي واحدةٌ من الأماكن القليلة التي رأيتُ فيها كُلّ طفلٍ موضع ترحيبٍ بغضّ النظر عن هويَّته العِرقية أو الاجتماعيَّة الاقتصاديَّة أو قدرته المعرفيَّة أو البدنيَّة، فهي مكانٌ يعكس ما يخبرنا به يسوع عن ملكوت الله، حيث يُعامَل الناس الذين يتجاهلهم مجتمعنا على أنهم موضع قيمةٍ وبركة.
أفكِّر في ابنتي، وحتَّى نفسي، في ضوء كلماتٍ مثل «الموهبة» والكيفيَّة التي تُوجِّهني بها في اتّجاه الحياة الفرديَّة والخوف، أي في اتّجاه الحصول على الأفضل دائماً. وهذا هو السعي وراء نوع العلم الذي يقول بولس إنه «ينفخ» – فهو يُبعِدنا عن أخينا الإنسان ويُؤدِّي إلى الأذى وعدم المساواة. ولهذا أتَّفق مع الخبراء على أنّ الموهبة يمكن فهمها فهماً أفضل على أنها تطوُّرٌ غير متزامنٍ عندما تتقدَّم أجزاءٌ من عقلنا أو ربما حتَّى من ذكائنا الاجتماعيّ-العاطفيّ بوتيرةٍ أسرع من الأجزاء الأخرى. فلدينا جميعاً جوانب نحتاج للنموّ وللبنيان فيها. وفي سعينا لنحبّ الله مَحبَّةً أفضل من خلال مَحبَّة الآخرين، فإننا كُلّنا نواجه الإعاقات ربَّما من الخوف أو الأنانيَّة أو تأليه النجاح.
في النهاية، لا أريد الأفضل لابنتي وفقاً لمجتمعنا، بل أريد الأفضل لجميع أولاد الله، ولهذا السبب أشتاق إلى ذلك اليوم الذي نُوجِّه فيه أنفسنا هكذا، ونختار أن نضع الموارد التعليمية في الأماكن التي تعرَّضت للتجاهل المُتعمَّد. فالتعليم الحقيقيّ يبني – والأمر يبدأ دائماً في القاع لأنه المكان الذي نتعلَّم فيه كيفيّة تبادل المَحبَّة مع أخينا الإنسان.