«لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ سَامِعًا لِلْكَلِمَةِ وَلَيْسَ عَامِلاً، فَذَاكَ يُشْبِهُ رَجُلاً نَاظِرًا وَجْهَ خِلْقَتِهِ فِي مِرْآة.» (الإنجيل، رسالة يعقوب 1: 23)
في «العالم المسيحي» اليوم، نجحت الكنائس، مثل نجاح الأسهم في سوق البورصة في وول ستريت Wall street، فالمؤمنون لا يملئون مقاعد كنائسهم فحسب بل يتجمعون كذلك في مؤتمرات نهاية الأسبوع أو أمسيات دراسة الكتاب المقدس أو وجبات فطور الصلاة وغيرها من الأحداث المُجدولة بصورة منتظمة. ولكن كم عدد أولئك المستعدين لأخذ وصايا يسوع المسيح حرفيًّا؟
في الأسبوع الماضي، وفي يوم عيد الخمسين (أيْ عيد حلول الروح القدس على جماعة المسيحيين الأوائل) انشغل الشباب في مجتمع كنيستي بآيات متعددة من إنجيل لوقا:
وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَحْمِلُوا شَيْئًا لِلطَّرِيقِ: لاَ عَصًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ خُبْزًا وَلاَ فِضَّةً، وَلاَ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ. وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ اخْرُجُوا. وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا الْغُبَارَ أَيْضًا عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ.» (لوقا 9: 3-5)
وبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ. فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. اِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ. لاَ تَحْمِلُوا كِيسًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ أَحْذِيَةً، وَلاَ تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ. وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلاً: سَلاَمٌ لِهَذَا الْبَيْتِ. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنُ السَّلاَمِ يَحُلُّ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَيَرْجِعُ إِلَيْكُمْ. وَأَقِيمُوا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ آكِلِينَ وَشَارِبِينَ مِمَّا عِنْدَهُمْ، لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ. لاَ تَنْتَقِلُوا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ. وَأَيَّةَ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَقَبِلُوكُمْ، فَكُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ لَكُمْ، وَاشْفُوا الْمَرْضَى الَّذِينَ فِيهَا، وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ! وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَلَمْ يَقْبَلُوكُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَى شَوَارِعِهَا وَقُولُوا: حَتَّى الْغُبَارَ الَّذِي لَصِقَ بِنَا مِنْ مَدِينَتِكُمْ نَنْفُضُهُ لَكُمْ. وَلَكِنِ اعْلَمُوا هَذَا إنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ! وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَكُونُ لِسَدُومَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ. (لوقا 10: 1-12)
وقد خالجنا سؤال بعد قراءة هذه النصوص وهو: «أما تزال وصايا يسوع سارية في يومنا هذا؟» إنَّ لهذا السؤال دور حاسم، لأن كلا النصين المبينين أعلاه هما من وصايا يسوع التي تُعتبر «الصعبة». فكم هو عدد المبشرين في أيامنا هذه ممن يخرجون إلى حيث لا يعلمون بلا مال وبلا ملابس إضافية بل واضعين ثقتهم الكاملة بالله؟ ... إنَّ هذا ما يقوله يسوع. فيجب علينا الخروج بهذا الأسلوب تمامًا، غير محصنين ومعرضين للانتهاك «مِثلَ الخِرافِ بَينَ الذِّئابِ». ورأينا كذلك الحكمة في نصيحة يسوع للذهاب اثنين اثنين؛ الأمر الذي يجعل أمر إيوائهم من قبل الناس أيسر بكثير. فربما لا يقدر الكثير من الناس على إيواء جماعة تتألف من ثلاثة أو أربعة أشخاص.
فيما إلى ذلك يبين يسوع المسيح أن «الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ» وكذلك وَعَدَ «اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ». فإذا كان بإمكاننا قول هذا لكل من يستقبل أتباع المسيح، فالحقل الذي يريد الله حصاده شاسع للغاية خصوصًا إذا تأملنا في كثرة عدد سكان الأرض - أكثر من 6 بلايين نسمة. ومما لاشك فيه أن الله يشتاق حتمًا إلى أن يضمَّ كل فرد مع الآخرين ويجمِّع شتات العالم.
فبتأملنا المشترك لهذه النصوص، شعرنا باسترشاد مشترك لأن نأخذها كما هي، وفي النهاية شعر 26 شابًا وشابةً من مختلف مجتمعاتنا (اثنان من كل مجتمع من مجتمعاتنا المسيحية في ألمانيا وإنكلترا وأستراليا وأمريكا) بالدعوة ليضعوا كامل ثقتهم في يسوع المسيح، والخروج بالمنوال نفسه الموصوف في الإنجيل بحسب لوقا.
وقد صادف أن أحد زوارنا من أحد مجتمعاتنا المسيحية الشقيقة في إنكلترا كان حاضرًا وقتها معنا؛ فكتب لي لاحقًا، قائلاً:
لقد وصلتُ عند فترة العشاء، وبعدها كان هناك اجتماع. وبدا لي كل شيء طبيعيًا، ما عدا في النهاية عندما دُعِيّ الشباب، وتم اختيار أربعة منهم ليذهبوا في مهمة «التبشير» غير آخذين معهم (كما أوصى المسيح) أي شيء أو على الأقل لا مال ولا طعام ولا ملابس إضافية. وتَجمَّعنا كلنا في الصباح الذي تلاه لتوديعهم. فيا له من موقف مؤثرٍ جدًا عند مشاهدتهم مملوئين بالأمل والإيمان بالله، وهم ينحدرون إلى الطريق لينصرفوا. فأحسستُ بسعادة متميزة لوجودي هناك في تلك اللحظة ... فربما لن يُوفَّقُوا، ولكنهم – وأنتم معهم – يحاولون على الأقل أن يحيوا كالمسيحيين الأوائل.
لم يخرج أيٌّ من شبابنا ليهدي أو يغيِّر الناس. لقد خرجوا لمجرد شعورهم بضرورة الأخذ بكلام يسوع وإطاعته. فكانت مهمتهم الوحيدة هي «تجميع الحصاد»، أيْ بمعنى اللقاء بالناس الذين يشتاقون إلى ملكوت الله وإقامة الروابط معهم أينما كانوا.
إنَّ مبشرينا الآن على الطريق لأكثر من أسبوع، وقد بدأت تقاريرهم تتقاطر إلينا شيئًا فشيئًا. بالطبع كانت تجاربهم مختلفة منذ البداية. ولكننا نحمده على أن كل منهم وجد مكانًا ليأكل وينام في الليلة الأولى، فوجد البعض ملجأ للشريدين؛ والبعض الآخر مَرْأب لوقوف السيارات.
وتم استقبال البعض منهم باللطف والكرم؛ بينما كانت الحالة على العكس تمامًا مع الآخرين؛ فقد لاقوا جفاءً حتى من زملائنا المسيحيين، الذين يجب أن يكونوا في طليعة من يأوي الغرباء. ففي واحد من المجتمعات «المسيحية» تم معاملة شبابنا بالشكوك وسألوهم: «هل لديكم مشاكل في بيوتكم؟»
وفي مكان آخر، قيل لهم: «ليس لدينا وقت أو مكان. أكتبوا لنا رسالة بريدية أو إلكترونية أولاً؛ وأعطونا علم مسبَّق.» ... وفي مكان آخر، طَرد أحد مرتادي الكنيسة اثنين من شابَّاتنا زاعمًا بأنه لا يفهم تبشيرًا كهذا. فكما قال مُعلِّلاً للأمر: «نحن لا نعيش في وقت المسيح ... إنَّ هذا العمل ليس صحيحًا.»
يا لصعوبة الأمر حينما يَنْبِذُونَنا الزملاء المؤمنين، وينبهنا هذا بكلام يسوع:
وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَلَمْ يَقْبَلُوكُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَى شَوَارِعِهَا وَقُولُوا: حَتَّى الْغُبَارَ الَّذِي لَصِقَ بِنَا مِنْ مَدِينَتِكُمْ نَنْفُضُهُ لَكُمْ. وَلَكِنِ اعْلَمُوا هَذَا إنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ! (لوقا 10: 10–11)
من ناحية أخرى، استقبل الكثير من الناس شبابنا ورحبوا بهم بحرارة. فربما تذكروا كلام يسوع الرائع في رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 13: 2:
لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ.
هذا وقد وعد الرب يسوع أن من يعطي الغرباء حتى ولو كأس ماء، سيجازى على هذه الرأفة بالآخرة. إنَّ وصايا يسوع المسيح ووعوده واضحة لكل من يعمل بها. فكل ما نحتاجه هو الإيمان والعمل بها.