غالبًا ما نرى التناقض لدى الكثير من المسيحيين الذين يقولون إنهم يؤمنون بالمسيح ولكنهم لا يرتدون ملابس لائقة فيها حشمة. فهل هناك علاقة بين هذين الأمرين؟

وهذا ما دعاني أفكر في الموضوع، وأبحث فيه، لأرى ما الموقف المسيحي من هذا الأمر. فرأيتُ أن الإنجيل واضح تمامًا في موضوع الحشمة، إضافة إلى أنني رأيت فيه الأبعاد الروحية العميقة لهذا الموضوع، وإليكم بعض الآيات من الإنجيل:

«وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ.» (1 تيموثاوس 2: 9–10)

«أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ.» (1 كورنثوس 6: 19–20)

ويدعونا الإنجيل إلى استبشاع كل ما هو غير طاهر:

«فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ، وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ، وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ الشُّكْرُ. فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ هذَا أَنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ الَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلأَوْثَانِ لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ وَاللهِ.» (أفسس 5: 1–5)

«وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.» ‏(رومة 12: 2)‏

«لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.» (1 يوحنا 2: 16–17)

«وبَعدُ، أَيُّها الإخوَةُ، فاهْتَمُّوا بِكُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ وشَريفٌ وعادِلٌ وطاهِرٌ، وبِكُلِّ مَا هُوَ مُستَحَبٌّ وحَسَنُ السُّمعَةِ ومَا كَانَ فَضِيلَةً وأهلاً لِلمَديحِ.» (ت مش، فيلبي 4: 8)

وقال الرب يسوع المسيح:

«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.» (متى 5 27–28)

ولكيلا نقع فريسة الناموسية أيْ فريسة التزمُّت الحرفي، فإنَّ الإنجيل يعلِّمنا أن الحشمة هي قبل كل شيء حشمة القلب والروح، أيْ قبل كل شيء مخافة الله، وتنظيف القلب، وصيانة الروح من كل دنس وخبث وخطيئة وتكبُّر. والحياة التقيَّة ينبغي أن تكون مسألة طوعية لكي يحياها الإنسان قلبيًّا بكامل القناعة والحرية وعدم الإكراه.

ثم إنَّ الإيمان والخضوع الروحي للرب يظهران في جميع مظاهر حياة الإنسان، بما في ذلك الحشمة في الملبس والسلوك. فلا يمكن فصل الحياة الروحية عن الحياة اليومية والعملية. ولا تقتصر التلمذة للمسيح على الذهاب إلى الكنائس أيام الآحاد، بل على الالتزام برسالة الإنجيل في جميع الأيام وأينما كان الإنسان المسيحي، وحتى في الاحتفالات، ليكون نورًا ومثالاً صالحًا للآخرين بأعماله الصالحة وتوبته اليومية، التي نحتاج إليها كلنا.

نعم، يجب أولاً أن نتواضع ونخضع لله، فغالبًا ما يقف كبرياؤنا عقبةً أمام طريق الرب.‏

وهناك كنائس كثيرة توصي بهذا الموضوع، وأذكر منها الكنيسة الكاثوليكية التي توصي به في كتابها الرسمي باسم تعليم الكنيسة الكاثوليكية Catechism of the Catholic Church حيث تعتبر العِفَّة والحشمة ونعمة الله متممين للحياة المسيحية. أمَّا ضمن الفصل الذي يحمل عنوان «المعركة في سبيل العِفَّة» فتعلن الكنيسة الكاثوليكية فيه ما يلي:

تتطلب العِفَّة الحشمة. فهي جزء متمم لضبط النفس. وهي تستر أعزَّ ما لدى الإنسان. كما يعني رفض كشف النقاب عما يجب أن يكون مستورًا ... فالحشمة تصون سِرَّ الناس وحبهم. فإنها تشجع الصبر والاعتدال في علاقات الحب؛ وهي تطالب الزوج والزوجة بتنفيذ ما وَعَداه من وفاء وعطاء كاملين أحدهما تجاه الآخر ... هذا وتحتاج العِفَّة المسيحية إلى تنقية الأجواء الاجتماعية. فإنها تطالب وسائل الإعلام أن تعطي برامجها أهمية قصوى لمسألة الحشمة والتحفُّظ ... وما يُدعى بالإباحية الأخلاقية فإنما هي مسألة مبنية على مفهوم مغلوط لحرية الإنسان؛ والشرط الضروري لتطوير الحرية الحقيقية هو أن يتعلم المرء القيم الأخلاقية ... أمَّا البشرى السارَّة التي يعلنها المسيح فتعمل على تجديد حياة الإنسان الساقط وتجديد تقاليده بصفة مستمرة؛ فهي تحارب وتزيل الآثام والشرور المتدفقة من الجاذبية الموجودة دائمًا في الخطيئة. ولا تكفُّ البشرى السارَّة أبدًا عن تنقية وتهذيب أخلاق الناس. إذ إنها تتبنى كل السجايا والمواهب الروحية لكل جيل وكل أمة، وتجعلها تُزهِر وتزدهر، وكأنها تسكن في داخلهم؛ والفضل في ذلك يعود إلى خصوبة البشرى الإنجيلية المُثرية ذات القدرة الخارقة، فهي تُسلِّحهم وتكمَّلهم وتعيدهم دائمًا إلى جادة الصواب في المسيح.

وهذا الموضوع كله لا يشمل المرأة فحسب بل الرجل أيضًا. ولا يهم إلى أيِّ طائفة أنت تنتمي/تنتمين، فكل مَنْ يريد أن يتبع المسيح ينبغي أن يعيش وفقًا لوصاياه المقدسة بدافع الروح القدس. وقال مرة واعظ شهير من الطائفة الإنجيلية: «عندما يدخل المسيح قلبك ستتغير ملابسك أيضًا.»

ونحن لا ندعو هنا إلى الحشمة المفرطة المُتزمِّتة والمُبالَغ فيها بل إلى الحشمة المعقولة التي تتوافق مع الضمير. ثم إننا لا نريد إدانة أحد هنا بل ندعو إلى الحياة المسيحية المقدسة.

وكما نعرف أن الحشمة في الملبس والسلوك لا تعيق العلاقات الاجتماعية والبهجة في الحياة. فنحن في كنيستنا، على سبيل المثال، حيث ترتدي الأخوات الملابس البسيطة المحتشمة ويرتدي الإخوة الملابس البسيطة، فغالبًا ما نحتفل معًا بفرح في أجواء أخوية حميمة وطاهرة مع جميع الإخوة والأخوات والأطفال والشباب والضيوف، وندبك الدبكات الشعبية ونلعب الألعاب الجماعية الممتعة مع بقية أولاد مجتمعنا المسيحي إضافة إلى مختلف الفعاليات والمآدب المشتركة وتقديم الخدمات المتنوعة والعمل المشترك بشتى أنواعه.

 

فدعونا نصلي جميعنا إلى الرب يسوع المسيح لأجل أن يحفظ جميع مجتمعات الكنائس ليعيشوا الإنجيل يوميًّا، ويحفظ أيضًا جميع الناس في العالم.