أتيح لي في الصيف الماضي خلال شهر يونيو ويوليو وأغسطس العمل مع منظمة إنسانية للإغاثة والمعونة تسمى Partners: Relief and Development. وتمكنتُ أثناء عملي معهم من زيارة أحد مخيمات الروهينجا في دولة ميانمار. فذهبتُ إلى ذلك المخيم بصحبة أحد الزملاء المتطوعين معنا من الذين عملوا في جهود الإغاثة للروهينجا لفترة طويلة. وكانت مهمتنا الرئيسية في الرحلة الإشراف على توزيع الرُّز على الناس هناك. كما تمكَّنا من مقابلة شيوخ القرية، وسماع ما كانوا يختبرونه، ويفكرون فيه.
ومعسكر الروهينجا هذا بالتحديد عبارة عن قرية صغيرة من سكان الروهينجا الذين تمكَّنوا من التآزر معاً، للنجاة من سنوات العنف والإبادة الجماعية من الحكومة والمجموعات الأخرى في ميانمار. ومع ذلك، ولأنهم قاوموا وردّوا على ما كان يجري بحقّهم، فقد تم تطبيق حصار عليهم يفصلهم عن بقية المدينة التي يعيشون فيها، وأمسوا غير قادرين على المغادرة والتنقُّل، حتى لجلب اللوازم الأساسية واحتياجات الحياة الضرورية فضلا عن الطعام. حتى أن منظمات الإغاثة الإنسانية غير مسموح لها بإحضار الطعام إليهم. غير أن الطريقة الوحيدة التي تمكَّنت بها منظمتنا الخيرية من توصيل الإمدادات والغذاء إليهم، كانت عن طريق شحنها ونقلها إلى مسافة تبعد بنحو ميل من قريتهم، ومن ثم كان على سكان القرية تحميل كل شيء يدويا وعلى ظهورهم إلى داخل قريتهم. وعندما وصلنا إلى الشاحنات التي كانت تحمل أكياس الرُّز، التقينا بنحو 70 رجلاً من القرية، جاءوا للمساعدة في حمل أكياس الرُّز إلى المخزن في القرية. فتتبعنا الشباب وهم يتوجهون إلى قريتهم وإلى حيث يحتفظون بالرُّز لغرض التوزيع.
وأثناء دخولنا قريتهم، خرج تلاميذ المدرسة في ذلك الحين، وقوبلنا بأسراب من الأطفال الفرحين وهم يحيوننا بتحية «السلام عليكم.» فكم كانوا فرحين برؤيتنا ورؤية الرُّز الذي تمكَّنا من إحضاره. فكم غمرتني فرحتهم رغم وضعهم الحالي. فقد كانوا يعيشون في حاجة شديدة، وفقر، وصعوبة سدِّ رمقهم، وفي وسط انعدام فرص العمل لوالديهم. ومع ذلك، كانت وجوههم سعيدة وشاكرة.
ثم جلسنا مع عدد من شيوخ القرية. ورغم أننا حاولنا رفض ضيافتهم في إعطائنا شيئا لنأكله، لأننا كنا نعلم بأنهم كانوا بحاجة إليه، إلّا أنهم مع ذلك قدَّموا إلينا بيضا مسلوقا وبكامل التقدير. وكان من دواعي سروري أن أعطي بيضتي للأولاد الصغار الذين رأيتهم واقفين يراقبوننا، ولكنني رأيت أنه من غير اللائق رفض ضيافتهم هذه. أما القصص التي أخبرونا بها بعد ذلك عن وضعهم الحالي، فكادت تبكيني. فلمّا نُبِذوا من المدينة لم يتمكَّن أي منهم من إيجاد عمل يكفي لإطعام أسرهم؛ لأنه لم يَرِدْ أي شخص توظيفهم. ولديهم العديد من النساء والأطفال الذين يعيشون في أكواخ صغيرة من الخيزران الذي يحصلون على كمية صغيرة منه عن طريق زراعته وتنميته بأنفسهم. ومن الواضح أنهم يعتمدون على المساعدات التي تقدِّمها لهم منظمتنا الخيرية.
ثم إنهم يعيشون في رعب دائم من غارة أخرى قد يداهمهم بها الجيش، وكأن كل تلك الشدائد غير كافية لهم. فقد يأتي الجيش في أي لحظة لإبادتهم جميعا. ومع ذلك، فإنّ قوم الروهينجا يستمرون في سعيهم إلى العيش، ومساعدة بعضهم لبعض. وأخبرونا أيضا عن محاولاتهم في تعليم أولادهم بدون المواد التعليمية الضرورية والمعلمين الخريجين. لقد أخجلني موقفهم هذا أنا شخصيّا، ووضعني أمام الرهان. فكيف يستطيع هؤلاء الناس المخاطرة بهذا القدر، والعيش في مثل هذا الفقر لأجل إيمانهم؟
وعلاوة على ذلك، أخبرنا شيخهم كيف بدأ شعبه يفقد الأمل. فقد مضت سنوات، منذ المذابح والإبادة الجماعية، ولكنهم لم يلمسوا أي تغيّر أو تحسُّن في أوضاعهم لحد الآن. فإنهم لا يزالون غير قادرين على الحصول على الجنسية أو أي وثائق حكومية أخرى. إذ يجري معاملتهم كالحيوانات، دون حقوق الإنسان الأساسية. ورغم أنه من المفترض أن تكون الحكومة قد قالت بأنهم بإمكانهم العودة إلى ميانمار والعيش مع أشخاص آخرين في ميانمار، غير أن أهالي الروهينجا يعلمون بأن هذا غير صحيح. فهم يعلمون أنهم إذا حاولوا ذلك، فإنْ لم يقتلهم الجيش أو يحاول إبعادهم، فإنّ المواطنين البوذيين الآخرين سوف يقتلونهم. وكل هذا الظلم ليس لشيء، وإنما بسبب معتقداتهم فقط. وفي نظري، فإنهم لا يختلفون عن غيرهم من البوذيين في جميع أنحاء البلاد، باستثناء ربما ثيابهم التقليدية فقط.
وأنا لا أفهم سبب هذا الظلم الذي يحدث ولا أعرف متى وكيف سينتهي، ولكنني أعرف بالتأكيد أنهم بحاجة إلى صلواتنا. ليس فقط صلوات من أجل الحماية أو ما يكفيهم من الطعام - رغم أنهم بحاجة ماسة لذلك - ولكن من أجل أكثر من ذلك؛ فإنهم يحتاجون إلى الأمل؛ أمل لكي يقويهم على أن يعيشوا يوما بعد يوم دون رؤية أي تغيير أو تحسُّن في أوضاعهم. فينبغي أن ندعو لهم ليكون لديهم أمل في أن يعيش أولادهم يوما ما بحرية كمسلمين مرة أخرى.
مايكل فول شاب من كنيسة الحياة المشتركة «برودرهوف»