في رواية الإخوة كارامازوف تروي غروشينكا هذه القصة الصغيرة لآليوشا. وعندما كانت غروشينكا فتاة صغيرة، أغواها رجل وأوقعها في علاقة غرامية معه، ومن ثم هجرها، وبعدئذ طُرِدت من بيت والديها. وتمكنت من العيش في هذه المدينة عندما صار تاجر مُسِنٌّ غني يدفع نفقات معيشتها بعد أن اتخذ منها عشيقة له. وعندما كبرت أصبحت ذات جمال نادر، وأخذت تسعى للانتقام لنفسها بشكل عشوائي من كل عالم الرجال. أمَّا كارامازوف الأكبر فيلاحقها لإيقاعها في علاقة غرامية، وهكذا يفعل ديميتري الذي ينجح قبل اعتقاله بقليل في كسب إعجابها الصادق. وبقيت غروشينكا تعيش في الظلمة إلى أن اختبرت ذات يوم تجربة روحية شافية مع آليوشا. فقد حاولت غروشينكا أن تغري آليوشا في بادئ الأمر، ولكنه لم يقاومها فحسب بل احترمها أيضا في الوقت نفسه احتراما صادقا كإنسانة مساوية له، وهكذا أهداها إلى الإيمان المسيحي، وإلى التفحُّص الروحي الذاتي. وهي تروي هذه القصة في إشارة إلى حياتها السابقة الخاطئة قبل دخول نور المسيح إلى قلبها. وهذا نمط نموذجي للطريقة التي يتمُّ بها الخلاص في كتابات دوستويفسكي.
في يوم من الأيام، كانت هناك فَلاَّحة فقيرة وشريرة جدا. ولَمَّا ماتت هذه العجوز، وكانت لا تملك أيَّ فضيلة يمكن أن تشفع لها في يوم الحساب، أمسكتها الشياطين وألقتها في بحيرة من نار.
فأخذ عندئذ ملاكها الحارس يتساءل عن العمل الصالح الذي يمكن أن يتذكره عنها، ليذكره لله. فإذا به يتذكر حادثة جرت لهذه المرأة في حياتها، فقال الملاك لله: «لقد انتزعتْ من مزرعتها بصلة ذات يوم ووهبتها لشَحَّاذ.» فقال الله للملاك الحارس: «خُذْ تلك البصلة، ثم أعطها لهذه المرأة في بحيرة النار، واطلب منها أن تتشبث بها، ثم اسحبها لكي تخرجها من اللهب. فإذا استطعتَ أن تخرجها فدعها تأتي إلى الفردوس، أمَّا إذا تقطَّعت البصلة فيجب على المرأة أن تبقى حيث هي.»
فركض الملاك إلى المرأة ومدَّ إليها البصلة وقال لها: «تعالي، وتمسَّكي بهذه البصلة فأخرجكِ من النار.» وبدأ بسحبها بحذر من بحيرة النار. وفي الوقت الذي كاد يسحبها كليًّا من البحيرة، رأى بقية الخطأة في البحيرة كيف يجري سحبها إلى الخارج، فتمسَّكوا بها بُغية أن يجري سحبهم معها إلى خارج البحيرة.
ولكن العجوز كانت شريرة جدا، فأخذت تركلهم بقدميها وهي تقول: «إنما يريد سحبي أنا لا سحبكم أنتم، فهذه البصلة بصلتي أنا لا بصلتكم أنتم.» فما أن نطقت العجوز بهذه الكلمات، حتى تقطَّعت البصلة. فسقطت المرأة العجوز في البحيرة، ولا تزال تحترق في النار حتى يومنا هذا. أمَّا الملاك فبكى وانصرف.
فهذه هي القصة يا آليوشا؛ فأنا أعرفها عن ظهر قلب، لأنني أنا هي تلك المرأة الشريرة بنفسي.
المقالة مقتطفة من كتاب «الإنجيل في روايات دوستويفسكي»