عندما قرأتُ مقالا الأسبوع الماضي يوضّح فيه أن تنظيم الدولة الإسلامية أخذ يضع اهتمامه في دولة موزمبيق في شرق إفريقيا، لم أتفاجأ البتة. إذ عادة ما تنجح الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية في النمو بين الشباب المسلم الذي ينشأ في مجتمع ذي تباين اقتصادي واجتماعي، وقد شهدتُ الكثير من ذلك في الأسابيع الخمسة التي أمضيتها في وسط موزمبيق في شهر أبريل الماضي. غير أن فريقنا التابع لمنظمة صندوق السامري الخيرية Samaritan’s Purse الذي كان متطوعا للخدمة هناك في أعمال الإغاثة من الدمار الذي خلفه إعصار إيداي، شهد من ناحية أخرى في تلك الأسابيع الكثير من علامات الأمل أيضا.
كنا متمركزين في بوزي Buzi، وهي مدينة يسكنها 20 ألف شخص، وتقع على سهول شاسعة منخفضة ومحيطة بنهر بوزي. وكانت المدينة في حالة سيئة قبل أن تضربها العاصفة، إذ كان قوامها البطالة والفقر المدقع، ولذلك عاشت غالبية الأسر حياة بدائية للغاية. فكان يجري طبخ الطعام على نار مفتوحة خارج الدار، وكان غذائهم الرئيسي يتكون من الأرز وربما أسماك مجففة. وكانوا ينقلون الماء من النهر للشرب وللغسيل. وكانت منازلهم مصنوعة من الأعواد والطين المجفف. وعندما جاء الإعصار بثلاثة أيام من الأمطار الغزيرة والرياح، دُمِّر كل منزل من هذه المنازل وتمت تسويته بالأرض. وبعد ذلك بيوم واحد، كان معظم مناطق المدينة تحت مياه الفيضان بعمق 1–2 متر، بما في ذلك المستشفى الإقليمي. غير أن نمط الحياة البدائي تبيّن أنه كان في الحقيقة نعمة وليس نقمة عليهم، لأن استعادة الكهرباء أو الماء أو التجهيزات الغذائية الاعتيادية ستستغرق شهورا قبل أن تعود إلى حالتها المعتادة.
وفي أعقاب العاصفة، عرف الناس كيفية التكيّف مع الظروف الكارثية والبقاء على قيد الحياة، ولكن كانت لا تزال هناك حاجة ماسة للخدمات الطبية التي فُقِدتْ مع المستشفى الذي غمرته الفيضانات. لذلك كان لدى منظمة صندوق السامري الخيرية مستشفى ميداني للطوارئ في المدينة، في غضون الأسابيع الثلاثة من الإعصار. وأنا شخصيا وصلتُ إلى هناك بعد وقت قصير من افتتاح المستشفى، وكنت مسؤولا عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمعدات الكهربائية اللازمة لتشغيل المستشفى الميداني للمنظمة الخيرية. ولكني سرعان ما اكتشفت أني بكوني شخصا احتياطيا في المستشفى، كان معناه أيضا أنه يجري دعوتي في أغلب الأحيان للمساعدة في نقل المرضى أو المعدات أو المشاركة في صلاة من أجل حالة مرضية صعبة، التي حصلت فعلا.
وفي أحد الأيام الأولى التي قضيتها هناك، وعندما وصلنا إلى نهاية الدوام ليوم محموم، اتصلت بنا إحدى الممرضات للمجيء إلى سقيفة خلف الخيمة الخلفية. فقد وُلِد طفل خديجي قبل أوانه في الشهر الخامس من الحمل، وعاش لبضع دقائق فقط، ولم تكن الأسرة تريده. فتوقف عن العمل أولئك العاملين المتطوعين في المنظمة الخيرية الذين كانوا قريبين من الموقع، وتجمعنا حول هذا الصبي الصغير. وقُرِأ المزمور الثالث والعشرون، وتناوبنا على حمل هذا الطفل على أيدينا، وبكينا، وصلينا من أجل أن تكون هذه الروح الصغيرة مع يسوع. وأخذ مختلف الموظفين يحكون لنا عن قصصهم الشخصية وآلامهم عن فقدان الأطفال في أسرهم. لقد كانت تجربة متميزة، وواحدة من بين العديد من التجارب التي تشرفتُ أن أكون جزءا منها.
بالطبع تساءلنا كيف سيستمر ذلك العمل بعد أن انتهت مهمتنا هناك ورجع كل المتطوعين إلى بلادهم، أما أنا فكنت متشككا في الأمر إلى حد ما. ولكننا بدأنا نرى في الأسابيع الماضية دلائل على أن الجهد الذي بذلناه لم يذهب سدى دون أن يلاحظه أحد. فكان القساوسة المحليون يقدمون وقتهم طوعيا للصلاة مع المرضى في المستشفى. وكانت مجموعات تطوعية من الكنائس ترمم عشرات المنازل كل يوم. وكان هناك فريق يضع سقفا على بناية مدرسة لكي يتمكن أطفالهم من حضور الفصول العادية مرة أخرى. وسمعنا عدة مرات من العاملين بالمستشفى المحلي كيف أعجبوا بالرعاية التي رأوها، وأرادوا الاستمرار فيها. وربما يحتاج الأمر إلى وقت أطول لتحسين الأوضاع تحسينا حقيقيا، ولكننا لدينا فعلا سبب للتفاؤل.
في النهاية، فإنّ هذا هو ما سيبعد اليأس والاكتئاب وتهديد الإسلام الراديكالي. فالحصول على أمل في تحسُّن الأوضاع يأتي عن طريق بذل الجهود. ولو توكلنا على الله المُحِبّ الذي يرسل المساعدة عندما نحتاج إليها، فلا داعي إلى فقدان الأمل. وهذا تحدٍ لي شخصيا ولن أنساه أبدًا، ويضعني أمام الرهان في كل حين.