مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعاً! ... لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ. (مزمور 133)
تنمـو المشـاركة بالممتـلكات بفضـل المحبـة
لقد أظهر لنا يسوع معنى المحبة - فالمحبة لا تعرف أي حدّ أو قيد ولا تتوقف عند أي حاجز أو مانع. فلا شيء يمكنه أن يوقف المحبة، حتى لو بدت الظروف كما لو أنها تحجب طريقها. فالمحبة كان لديها، وما يزال لديها، إيمان في كل شيء.
المَحبَّةُ تَصفَحُ عَنْ كُلِّ شيءٍ، وتُصَدِّقُ كُلَّ شيءٍ، وتَرجو كُلَّ شيءٍ، وتَصبِرُ على كُلِّ شيءٍ. المَحبَّةُ لا تَزولُ أبَدًا. أمَّا النُّبُوّاتُ فتَبطُلُ والتَّكَلُّمُ بِلُغاتٍ ينتَهي. والمَعرِفَةُ أيضًا تَبطُلُ، (1 كورنثوس 13: 7-8)
لذلك لم يدع يسوع، المدفوع دائما بالمحبة، أن توقفه أملاك الناس أو ممتلكاتهم وتصبح حائلا في علاقته معهم. وعندما تعرّف يسوع على شاب غنيّ كان يملك الكثير من الممتلكات، نظر يسوع مباشرة إلى فؤاده وقال له بمحبة:
يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي. (مرقس 10: 21)
لقد قامت الكنيسة المقدسة الأولى في أورشليم بتوزيع جميع ممتلكات أفرادها على الفور. ففي اللحظة التي حلّت عليهم روح المسيح، لم يقدر أحد منهم أن يتمسّك بأملاكه بعد. فقد أجبرتهم المحبة لوضع كل أموالهم أمام أقدام الرسل. وتمكن الرسل من توزيع كل شيء بمساعدة الشمامسة.
فدَعا الرُّسُلُ الاثنا عشَرَ جماعَةَ التَّلاميذِ وقالوا لهُم: ((لا يَليقُ بِنا أنْ نُهمِلَ كلامَ اللهِ لنَهتَمَّ بأُمورِ المَعيشَةِ. فاَختاروا، أيُّها الإخوَةُ، سَبعةَ رِجالٍ مِنكُم مَشهودٍ لهُم بِحُسنِ السُّمعَةِ ومُمتَلئينَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ والحِكمَةِ حتّى نُكَلِّفَهُم بِهذا العمَلِ، ونُواظِبَ نَحنُ على الصَّلاةِ والتَّبشيرِ بِكلامِ اللهِ)). فاَستَحْسَنَتِ الجماعَةُ كُلُّها رأيَ الرُّسُلِ، فاَختاروا إستِفانوسَ، وهوَ رَجُلٌ مُمتَلئٌ مِنَ الإيمانِ والرُّوحِ القُدُسِ، وفيلُبُّسَ وبُروخورُسَ ونيكانورُسَ وتيمونَ وبَرميناسَ ونيقولاوُسَ وهوَ أنطاكيٌّ صارَ يَهودِيًّا. ثُمَّ أحضَروهُم أمامَ الرُّسُلِ فصَلُّوا ووَضَعوا علَيهِم الأيدي. (أعمال 6: 2-6)
لأن محبة المسيح لنا تجعلنا نتوق توقا شديدا إلى التخلي عن ممتلكاتنا والعيش في مجتمع مسيحي متشارك في الممتلكات.
وكانَ جَماعةُ المُؤمنينَ قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً، لا يَدَّعي أحدٌ مِنهُم مُلْكَ ما يَخُصُّهُ، بل كانوا يتَشاركونَ في كُلِّ شيءٍ لهُم. وكانَ الرُّسُلُ يُؤدُّونَ الشَّهادَةَ بِقيامَةِ الرَّبِّ يَسوعَ، تُؤيِّدُها قُدرَةٌ عَظيمةٌ. وكانَتِ النِّعمَةُ وافِرَةً علَيهِم جميعًا، فما كانَ أحَدٌ مِنهُم في حاجةٍ، لأنَّ الّذينَ يَملِكونَ الحُقولَ أوِ البُيوتَ كانوا يَبيعونَها ويَجيئونَ بِثَمنِ المَبيعِ، فيُلقونَهُ عِندَ أقدامِ الرُّسُلِ ليُوزِّعوهُ على قَدرِ اَحتِياجِ كُلِّ واحدٍ مِنَ الجماعَةِ. وهكذا عَمِلَ يوسُفُ، وهوَ لاوِيٌّ قُبرُصِيُّ الأصلِ لَقَّبَهُ الرُّسُلُ بِبَرْنابا، أي اَبنِ التَّعزِيَةِ، فباعَ حَقلاً يَملِكُه وجاءَ بِثَمَنِهِ وألقاهُ عِندَ أقدامِ الرُّسُلِ. (أعمال 4: 32-37)
وهذا يضع الفأس على جذر أنانيتنا.
إذا أعطيتَ رداءك أيضا عندما يسألوك أن تعطي ثوبك فقط فهذا عمل يتوافق حقا مع المحبة. كما يعني الكثير عندما تشتغل ساعتين بدلا من ساعة واحدة طلبوها منك
((سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: عَينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بسِنٍّ. أمَّا أنا فأقولُ لكُم: لا تُقاوِموا مَنْ يُسيءُ إلَيكُم. مَنْ لطَمَكَ على خَدِّكَ الأيْمنِ، فحَوّلْ لَه الآخَرَ. ومَنْ أرادَ أنْ يُخاصِمَكَ ليأخُذَ ثَوبَكَ، فاَتْرُكْ لَه رِداءَكَ أيضًا. ومَنْ سَخَّرَكَ أنْ تَمشيَ معَهُ مِيلاً واحدًا، فاَمشِ معَهُ مِيلَيْن. مَنْ طَلَبَ مِنكَ شيئًا فأَعطهِ، ومَنْ أرادَ أَنْ يَستعيرَ مِنكَ شيئًا فلا ترُدَّهُ خائِبًا. (متى 5: 38-42)
أنَّ الكفاح ضد الملكية الخاصة يجب أن يسبقه شيء أعمق، ألا وهو: إِمَاتَة كل من الأنانية وحب الذات والعناد والتجبُّر في داخلنا.
يكون الدين ومشاعر التديّن عديمي الفائدة إذا لم يتم التعبير عنهم بالأفعال وبالحق، أي بمجتمع حقيقي، ذي علاقات أخوية حقيقية.
مَنْ كانَت لَه خَيراتُ العالَمِ ورأى أخاهُ مُحتاجًا فأغلَقَ قلبَهُ عَنهُ، فكيفَ تَثبُتُ مَحبَّةُ اللهِ فيهِ. يا أبنائي، لا تكُنْ مَحَبَّتُنا بِالكلامِ أو بِاللِّسانِ بَلْ بِالعَمَلِ والحَقِّ. (1 يوحنا 3: 17-18)
يقول يسوع، أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ! والوصية الثانية مثلها تماما: أَحبِبْ قريبَكَ! (أي أخوك الإنسان) فلا توجد محبة حقيقية لله إذا لم تكن هناك محبة حقيقية لأخينا الإنسان، والعكس بالعكس.
((يا مُعَلِّمُ، ما هي أعظمُ وصِيَّةٍ في الشَّريعةِ؟)) فأجابَهُ يَسوعُ: ((أحِبَّ الرَّبَّ؟ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وبِكُلِّ نفسِكَ، وبكُلٌ عَقلِكَ. هذِهِ هيَ الوصِيَّةُ الأولى والعُظمى. والوصِيَّةُ الثّانِـيةُ مِثْلُها: أحِبَّ قَريبَكَ مِثلَما تُحبُّ نفسَكَ. (متى 22: 36-39)
لقد رأينا ولمسنا ما يلي: أنّ المجتمع المسيحي ممكن تحقيقه بواسطة الروح القدس الذي يأتينا من عند الله. فعندما يملأنا الروح القدس سنحصل عندئذ على محبة حقيقية لأخينا الإنسان وسنحصل بالتالي على مجتمع مسيحي كليّ المشاركة فيما بيننا.
لا يستطيع البشر بنـاء مجتمـع مسيحي كلـيّ المشـاركـة
من المؤكد أنّ الله يعمل في جميع النفوس من رجال ونساء. ولكن بمجرد شروعنا بالمغالاة بشأن هذه الحقيقة إلى درجة بحيث أننا نبدأ بالإيمان بأنفسنا وحدها وبغيرنا من البشر، فنكون عندئذ سائرين في المسار الخاطئ. فيجب علينا أن نؤمن بالله بحيث يصير هو وحده مركزا لحياتنا وليس البشر، وهذا ينطبق على الأفراد أيضا حين ينضم بعضهم إلى بعض، فيجب عليهم أن يخضعوا إلى مشيئة الله أيضا. عندئذ يمكن لإرادة الله أن تعمل فينا وأيضا من خلالنا، ونصير نحن أنفسنا شفافين جدا - مثل زجاج النافذة - بحيث لا تعود بعدئذ حياتنا البشرية الشخصية مهمة: وإنما يصبح عمل الله وحده منظورا من خلالها. ولا أعتقد بأنّ المجتمع المسيحي يمكنه الظهور إلى حيز الوجود بأية طريقة أخرى. ومهما قد يكون الشخص متواضعا ومتفانيا وعفيفا فلا يمكنه تأسيس مجتمع مسيحي كليّ المشاركة بقواه الذاتية.
فقالَ لي: ((تكفيكَ نِعمَتي. في الضُّعفِ يَظهَرُ كَمالُ قُدرَتي)). فأنا، إذًا، أفتَخِرُ راضِيًا مُبتَهِجًا بِضُعفي حتّى تُظَلِّلَني قُوَّةُ المَسيحِ. (2 كورنثوس 12: 9)
أنّ إيماننا بالله هو ليس حصيلة تفكيرنا الطموح أو المتحمِّس؛ ولا أساس لحياتنا المشتركة إلّا الله. ولكن لا يسعنا الادعاء بأنّ هذا الأساس هو حقٌّ قد كسبناه وأصبحنا الآن نملك الديانة كواحدة من ممتلكاتنا. كلا، أنّ ما لدينا الآن يجب أن يوهب إلينا كل يوم من جديد. إنها فكرة مفزعة، ولكن يجب علينا مواجهتها: فربما نخسر إيماننا في أي يوم كان. فكل ما يسعنا قوله هو أننا قد وُضِعنا على هذا الأساس بفضل النعمة الإلهية. لأن إيماننا لا ينشأ عن قُدراتنا الطبيعية؛ فنحن بحاجة إلى الروح القدس ليقودنا إلى الإيمان.
نحن لا نملك شيئا. فإن كنا نظنّ سابقا بأنّنا نملك مجتمعا مسيحيا تملّكا أبديّا، فقد توضّح الآن لنا من أننا لا نملكه. (يعنى إذا كنا نعرف كيف نعيش أو نخطط أو نسيطر على كل شيء في حياتنا المسيحية المشتركة فنحن على خطأ لأن الأمور عندنا قد أفرزت الكثير من الصراعات) وهذا جيّد لنا عندما ندرك ذلك. لأن المجتمع المسيحي لا يحيا إلا بالمسيح وبروحه المعطاء للحياة. فإذا نسيناه وأصبحنا متروكين بدون تأثيره في نفوسنا، وإذا فرّطنا في عمله بيننا وأهملناه، فسينتهي مجتمعنا المسيحي وسينقضي بأسره.
أنا الكرمَةُ وأنتُمُ الأغصانُ: مَنْ ثــبَتَ فِـيَّ وأنا فيهِ يُثمِرُ كثيرًا. أمَّا بِدوني فلا تَقدِرونَ على شَيءٍ. (يوحنا 15: 5)
هل بمقدور الكنيسة المقدسة غير المنظورة أن تصبح منظورة؟
لابد للكنيسة المقدسة غير المنظورة أن تجعل نفسها منظورة. ولكي يحدث هذا ويراها الناس فعلا، فمن الضروري أن ينبثق إلى حيز الوجود مجتمع مسيحي متشارك في الممتلكات وفي العمل فضلا عن الموائد المشتركة. هذا وأن كنيسة المسيح عاملة وفعّالة في كل مكان، ولكن بصورة غير منظورة، فهي تعمل أينما يتعلّق الناس بروح المسيح. ومع ذلك فأنّ الحياة المسيحية المشتركة تجسّد هذه الوحدة غير المنظورة وتجعلها منظورة، ليس في ممارسات دينية فحسب بل أيضا في جميع مجالات الحياة.
يتدفق تيار الوحدة والوئام من ينبوع الروح القدس إلى جميع مجالات الحياة: أولا إلى العلاقات بين الإخوة والأخوات في الجماعة ليجعلها علاقات أخوية - قلبية - منفتحة ومن ثم إلى الأشياء من حولنا. لذلك تنمو من الوحدة الروحية بين الأعضاء وحدة في مجالات أخرى ألا وهي: وحدة في التربية وتعليم الأولاد وكذلك وحدة في العمل، وبطبيعة الحال فإنّ هذا معناه أننا قد حصلنا على مجتمع متشارك في الممتلكات بدون أية أملاك خاصة للأفراد، لأن المحرك الرئيسي لحياتنا هو المحبة. والمحبة هي الفرح بالآخرين. ويمكّننا هذا الفرح، الذي يفيض من ينبوع الوحدة، من تسليم كل شيء واسترخاصه لمجتمع الكنيسة الأخوي. أما تخلينا عن مبلغ معين من المال فلا يعني شيئا بالمقارنة مع تسليم كل قوانا وتكريسها لخدمة الجماعة.
وقالَ لِلجُموعِ كُلِّهِم: ((مَنْ أرادَ أنْ يَتبَعَني، فلْيُنكِرْ نَفسَهُ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يومٍ ويَتبَعْني. مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ حَياتَهُ يَخسَرُها، ومَنْ خَسِرَ حياتَهُ في سَبـيلي يُخَلِّصُها. (لوقا 9: 23-24)
ونحن نعلم أنّ الثروات تنشأ من موارد الأرض ومن جهود عمل الإنسان. فنحن نتشارك في كلٍ من موارد الأرض وقوتنا العاملة. ولكننا لا نريد من كل ذلك أن نعيش في أنانية جماعية لمجرد دعم أنفسنا كجماعة. وإنما من الواجب علينا بالأحرى أن نجعل من هذه الإمكانية معروفة للآخرين عندما تشهد قائلة: يمكن للناس أن يعيشوا في مجتمع مسيحي! هذا ونشهد نحن لهذا الواقع، الذي يقول: هناك الآن ناس يعيشون فعلا في مجتمع مسيحي كليّ المشاركة! ثم إننا نشهد لمنبع هذا الواقع، ألا وهو: ملكوت الله المستقبلي الآتي!
إنَّ سرعة الزَعَل والتعنّت بالرأي وحب الذات والتمركز حول الذات - كلها عقبات وعراقيل. أما الانتفاخ على الآخرين فهو سمّ قاتل. (فيليبي 2: 3) وكلُّ مَنْ لا يزال لديه هذا الموقف يكون غير قادر عموما على العيش في مجتمع يحيا حياة مشتركة. وسوف يكون عاجزا عن الاشتراك في الوحدة المسيحية التي نريد أن نعيش من أجلها. فهذه نقطة هامة جدا. لأننا عندما نفكر بالآخرين وبأحوالهم وعندما نحاول رؤية أطيب خصال فيهم فسيساعدنا هذا الأمر في عدم الاستعلاء عليهم وعدم رؤية أنفسنا وكأننا متنورين أكثر منهم. فمن السهل أن نرى جسامة نقائص الآخرين وننسى أنفسنا من أننا لسنا سوى ناس ضعفاء. هذا وينبغي لنا أَلَّا نحاول دائما تصحيح أخطاء الآخرين. فيجب علينا أن نصالح أنفسنا مع النقص البشري.
هل يُعتبر المجتمع المسيحي الكليّ المشاركة مشيئة اللّــه؟
سأَلَنا مرة أحد الضيوف: "أتريدون القول أنّ حركة برودرهوف Bruderhof هي مشيئة الله؟"
فأجابه ايبرهارد: ليست حركة برودرهوف Bruderhof، وإنما المجتمع المسيحي الكليّ المشاركة (أينما كان). فالشيء المهم الذي أدركناه هو طبيعة الحياة التي عاشها يسوع المسيح مع تلاميذه وكذلك حياة الكنيسة الأوليّة في أورشليم. ونرى أيضا وعلى الروحية نفسها أنّ العهد القديم النبوي يمثل كلمة الله فيما يتعلق بموضوع أنه ينبغي لنا أن نعيش معا في مجتمع كنيسة مسيحي كليّ المشاركة:
مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعاً! ... لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ... (مزمور 133: 1 وَ 3)،
ونعيش هذه الحياة في سلام وعدل وسرور، مثلما وصفها الرسول بولس:
فما مَلَكوتُ اللهِ طَعامٌ وشَرابٌ، بَلْ عَدْلٌ وسَلامٌ وفرَحٌ في الرُّوحِ القُدُسِ. (رومة 14: 17)
والمقصود من حياتنا المسيحية بأسرها هو أن توحي بهذا الطريق وتشير إليه بكل تواضع.
نحن نؤمن برحمة الله الواسعة على جميع البشر. ولهذا السبب لا نشعر بضرورة جعل جميع البشر أعضاء في حركة برودرهوف المسيحية Bruderhof التي تعيش حياة مشتركة، بالرغم من ابتهاجنا بكل واحد ينضمّ إلى مجتمعاتنا المسيحية معنا. كما لا نؤمن أنّ كل من لا ينتمي إلينا سيكون من الخاسرين، ولكننا نريد أن نعيش على هذا النحو حتى نهاية حياتنا لأننا نؤمن أنّ هذه هي دعوتنا الإلهية وهي لمصلحة البشرية جمعاء. والوفاء لهذه الدعوة لا يعتمد على عدد الذين يريدون الانضمام إلينا في المجتمع المسيحي. فهو يعني ببساطة أن نعيش حياة مشتركة بذلك الأسلوب الذي تتمكن به حياتنا من أن تكشف للناس محبة الله والوحدة التي يريدها الله بطريقة إيجابية وملموسة. ثم إننا نؤكد مرة بعد أخرى على كلام الكتاب المقدس الذي يقول بحقّ: "الله محبة"؛ فلدينا قناعة وجدانية من أنه حقّ وصادق. ويمكننا أيضا أن نعكس ذلك ونقول: "أينما توجد محبة حقيقية، يوجد الله هناك."
مَنْ لا يُحِبُّ لا يَعرِفُ اللهَ، لأنَّ الله مَحبَّةٌ. ... فإذا كانَ اللهُ، أيُّها الأحِبّاءُ، أحبَّنا هذا الحُبَّ، فعلَينا نَحنُ أنْ يُحبَّ بَعضُنا بَعضًا. ما مِنْ أحَدٍ رأى اللهَ. إذا أحَبَّ بَعضُنا بَعضًا ثَبَتَ اللهُ فينا وكَمُلَتْ مَحبَّتُه فينا. (1 يوحنا 4: 8، 11-12)
لذلك فمن الواضح لنا أنّ المحبة الحقيقية هذه تعني الوحدة والحياة المسيحية المشتركة، والتعاون والخدمة المتبادلة، والتخلي عن كل ما نملكه كأفراد، والفرح بعضنا ببعض! عندئذ نكون متّحدين في المحبة ويسعنا القول: "الله هو وحدة ووئام، والذي يبقى في هذه الوحدة يبقى في الله والله فيه."
نَحنُ نَعرِفُ مَحبَّةَ اللهِ لنا ونُؤمِنُ بِها. اللهُ مَحبَّةٌ. مَنْ ثَبَتَ في المَحبَّةِ ثَبَتَ في اللهِ وثَبَتَ اللهُ فيهِ. (1 يوحنا 4: 16)
هل يُعتبر المجتمـع المسيحي وسيلـة للتهـرّب من الواقـع؟
لقد اِنبثقت حياة مجتمعنا المسيحي منذ البداية من جراء انتشار معاناة وآلام الناس التي كانت تحيط بنا. ولم يكن السبب في تركنا للمدن الكبيرة هو الانسحاب من العالم وهجره. ثم إننا لم يكن لدينا أية نيّة في التملّص من مسؤوليتنا نحو المجتمع والناس عندما انتقلنا إلى هذا المكان الواقع على جبل (والذي يبدو معزولا جدا للوهلة الأولى). بالعكس، فقد شعرنا أننا سنتمكن على الأرجح من التأثير في المجتمع الواسع حولنا تأثيرا أكبر وذلك بتجميع قوانا. وما زال اهتمامنا الأول والأخير لحد هذا اليوم هو أن يكون لحياتنا المسيحية المشتركة تأثيرا في العالم من حولنا.
لا أُصلِّي لأجلِهِم وحدَهُم، بل أُصلِّي أيضًا لأجلِ مَنْ قَبِلوا كلامَهُم فآمنوا بـي. إجعَلْهُم كُلَّهُم واحدًا ليَكونوا واحدًا فينا، أيُّها الآبُ مِثلَما أنتَ فيَّ وأنا فيكَ، فيُؤمِنَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلْتَني. وأنا أعطَيتُهُمُ المَجدَ الّذي أعطَيتَني ليكونوا واحدًا مِثلَما أنتَ وأنا واحدٌ: أنا فيهِم وأنتَ فيَّ لتكونَ وِحدَتُهُم كامِلَةً ويَعرِفَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلْتَني وأنَّكَ تُحبُّهُم مِثلَما تُحبُّني. (يوحنا 17: 20-23)
نستغرب دائما عندما يقول الناس بأننا تركنا العالم ولم نَعُدْ نعيش فيه لأننا مجرد نعيش في مجتمعات برودرهوف المسيحية Bruderhof (التي تعيش مجتمعاتها حياة مسيحية مشتركة) أو في أي مجتمع مسيحي آخر. إلا أننا بالحقيقة ما زلنا نعيش في وسط العالم، حالنا حال أي شخص آخر. فنحن لسنا مجرد أرواح وإنما بشر من لحم ودم نعيش هنا على هذه الأرض، بالإضافة إلى أنه يتحتّم علينا أيضا أن نسأل الله ليسترنا من الشرّ الذي في العالم وإلّا سنضيع.
لا أطلُبُ إلَيكَ أنْ تُخرِجَهُم مِنَ العالَمِ، بل أنْ تَحفَظَهُم مِنَ الشِّرِّيرِ. ما هُم مِنَ العالَمِ. وما أنا مِنَ العالَمِ. (يوحنا 17: 15-16)
ويرجع سبب هذا المفهوم المغلوط إلى أنه قد تمّ إضفاء طابع روحاني بحت على كلام يسوع والذي هو نقيض للروح الحقيقي ليسوع. فتعمل هذه الغلطة على تحويل الواقعية التي يتصف بها الكتاب المقدس إلى غموض معتم تَنقبِضُ منه النفس.
لقد قيل لنا أن نبقى سهارى على مصلحة إخواننا البشر وليس على مصلحتنا الشخصية.
يَجبُ أنْ لا يسعى أحَدٌ إلى مَصلَحَتِهِ، بَلْ إلى مَصلَحَةِ غَيرِهِ. (1 كورنثوس 10: 24)
فكيف لهذا أن يتحقق؟ إنّ ذلك لا يتحقق إلا بالحياة المشتركة المتفانية تفانيا كاملا حيث تكون كل الممتلكات مشتركة. ومما لا شك فيه أنّ الملكية المشتركة يجب أَلَّا تؤدي أبدا إلى أنانية جماعية. لأنه ليس المقصود منها أن تصبح مشروعا مشتركا لصالح أعضائها، ولا شراكة من أجل تحقيق أرباح لشُركائها. لكن عوضا عن ذلك، يجب على الملكية المشتركة أن تكون كلها مكرّسة للخدمة التي تفيد الجميع، ومكرّسة لمجتمع البشرية جمعاء في ملكوت الله المقبل، ومكرّسة للإيمان المسيحي الإيجابي الذي يتوجه بأنظاره وقلبه إلى البشرية جمعاء.