وبدأ كل شيء عندما هجر ايبرهارد آرنولد Eberhard Arnold مع أسرته حياتهم الأرستقراطية ووظائفهم الممتازة في العاصمة برلين، رغم أن ايبرهارد كان لاهوتيًّا، وتربويًّا، ومحررًا صحفيًّا، وحاصل على شهادة الدكتوراه، وانتقلوا مع أطفالهم الخمسة إلى قرية صغيرة في ألمانيا، ليعيشوا الإنجيل ببساطة والمضي في طريق التلمذة للمسيح بإخلاص، مع قِلَّة غيرهم ممن كان لديهم الاشتياق نفسه. فبارك الرب هذه الجماعة الصغيرة وازدهرت حياتها رغم الاضطهاد والتهجير والصراعات الروحية، وتكاثر عدد أفرادها ومجتمعاتها.
وليس لنا سوى أن نرفع الشكر والتمجيد للرب يسوع المسيح على أمانته معنا طوال تلك السنوات، لأن كل الفضل يرجع إليه في جمعنا وتوحيدنا وإدامة وحدتنا والتئام علاقاتنا، نحن البشر الضعفاء الخاطئين.
وهذا أمر مشجع للغاية لأي جماعة مسيحية مهما كانت صغيرة، لأن الرب يكون معهم ويرعاهم عندما يرى اشتياق قلوبهم. ألم يقُلْ الرب يسوع المسيح: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ.» (متى 18: 20)
إنَّ أهم نقطة أن تكون حياة الجماعة قائمة على الرب يسوع المسيح ووصاياه السامية من دون أي مساومات عليها، وبذل كل غالٍ ونفيس للعمل بها، وتحقيق حياة أخوية حقيقية بكل معنى الكلمة؛ حياة التوبة والمغفرة والمسامحة والخدمة والتواضع، والفرح، والخضوع والوحدة والوئام، والاتفاق بالإجماع، والسلام على جميع الأصعدة، لاسيما على صعيد الأسرة والعلاقات الزوجية، والعلاقات الطاهرة بين الإخوة والأخوات، وإزالة كافة الجدران الطبقية، والعرقية، والمالية، ومحبة جميع الناس، وعدم إدانة أحد أو تكفيره.
وينبغي أن تتوق الجماعة إلى الوحدة مع غيرها من الجماعات المماثلة، وأن تبقي بابها مفتوحا لكل من يريد الانضمام إليها.
ومن الملفت للنظر، أن جميع أفراد كنيستنا الذين انضموا إليها، قد جاءوا من خلفيات متنوعة: دول وقوميات وأديان مختلفة. فقد تركوا كلهم مجتمعاتهم وجميع ارتباطاتهم، وكل شيء، لينضموا طوعيًّا إلى مجتمعات كنيستنا، وذلك من أجل أن يبنوا مجتمعا أخويا جديدا يسوده العدل والإخاء والسلام والتعاون والمشاركة لمدى الحياة، على خلاف ما كانوا يعيشونه في مجتمعاتهم العادية السابقة. ويذكرنا هذا بحياة يسوع الأرضية عندما أخذ يدعو تلاميذه ليتبعوه. فترك أولئك الناس كل شيء وتبعوه، وكرَّسوا حياتهم كلها لخدمته. وكانت جماعة التلاميذ مع يسوع يتقاسمون كل شيء حتى أنهم كان لهم صندوق مالي واحد مشترك للجماعة. وهذا ما فعلته الكنيسة الرسولية الأولى في يوم الخمسين، عندما آمن نحو ثلاثة آلاف شخص بالمسيح كمخلص وملك لحياتهم، وأحب بعضهم بعضا من كل قلوبهم. فيشهد الإنجيل:
وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئاً مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً. وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجاً لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ. (أعمال 4: 32–35)
وتمثِّل الحياة المسيحية المشتركة المبادئ والقيم السامية لملكوت الله. فهذا ما جاء من أجله يسوع المسيح، أي لكي يعيش الإنسان الملكوت على الأرض سلفا. وهل هناك حياة أفضل من حياة الملكوت؟
ثم إنَّ تكريس التلاميذ للرب يسوع وكنيسته كان تكريسا حياتيا مؤبدا مهما كانت الظروف وليس وقتيا:
فَقَالَ يَسُوعُ لِلاِثْنَيْ عَشَرَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟» فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ، وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ.» (يوحنا 6: 67–69)
وطبعا أن حياة التكريس ليست سهلة أبدا، بل تتخللها الكثير من الصراعات الروحية، وتتطلب التخلي عن إرادتنا المتعنتة، وتقديم التضحيات والتفاني في الخدمة، والجهاد ضد الجسد وشهواته. وهي حياة خدمة يومية. ولكنها رائعة جدا بفضل التعاون بين الإخوة والأخوات، والرعاية الروحية والحياتية من قبل الكنيسة ككل. وللمزيد عن حياتنا هنا.
وقد أصدرنا كتابا بالإنجليزية بهذه المناسبة، حيث نشرنا فيه مئة قصة لمختلف الإخوة والأخوات. وعنوان الكتاب: Another Life is Possible
وقد أنشئنا موقعا إنجليزيا خاصا به هنا، حيث يجد القارئ قصصا متنوعة – إضافة إلى الصور الكثيرة – تتحدث عن الأسباب التي دفعت الناس إلى ترك كل شيء والانضمام إلى مجتمعات كنيستنا، طارحين عنهم روح التعصب الطائفي، ومُكرسين كل حياتهم ليسوع المسيح وطريقه السامي. وهذا ما يحصل لحد الآن في كافة أرجاء العالم عندما يلمس المسيح قلوب الناس، فتحصل ثورة روحية في كيانهم تغير حياتهم كليا، وبصورة تدريجية، سواء كانوا في داخل مجتمعات كنيستنا أو خارجها.
ومن الجدير بالذكر أن كنيستنا تتعاون مع بقية الكنائس، وجميع القوى الخيرة، من أجل البناء والخير ومد الجسور والتقارب. وخير دليل على ذلك المقالات المتنوعة في موقع المحراث بكافة لغاته.
ومن أهم الدروس التي تعلمتها من حياتنا المشتركة نبذ أي جهود بشرية والاتكال على الرب في كل شيء. الأمر الذي يجعلني دائما أُكثِّف من صلواتي طلبا للإرشاد، إضافة إلى الالتجاء إلى الإخوة والأخوات طلبا للمشورة. ونحن نؤمن بأن الروح القدس يمكنه أن يعمل من خلال أخوية الكنيسة المُتَّكلة عليه ويخلق الوحدة والوئام فيها. فقد قال الرب يسوع:
وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. (يوحنا 14: 26)
لذلك، يجب أن يكون كل شيء من ترتيب الرب ودعوته. فقد قال الرب يسوع:
أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا. (يوحنا 15: 5)
وكما قال أحد رعاة كنيستنا: هاينريش آرنولد: «لا تعتمد التلمذة للمسيح على جهودنا البشرية؛ إنها إفساح المجال لله لكي يحيا فينا.»
وصلاتنا أن ينعم الرب بالإيمان المسيحي لكل من يشتاق قلبه إليه، ولكل من يبحث عن الحقِّ. وليبارك الرب جميع الجهود المخلصة لوضع مشيئة الرب موضع التطبيق. آمين.