الحكومات تستحق الاحترام
إننا نقدِّم موافقتنا ودعمنا الكاملين للحكومات ولكفاحها المشروع ضد الخطيئة والإجرام: مثل الكذب، والدعارة، وجرائم القتل، والجشع. ويسعدنا التعاون مع السلطات ما دامت تحاول أن تفعل شيئًا بَنَّاءً للتصدي لهذه الأشياء الفظيعة. وذلك لأننا نقرُّ بسيادة الحكومة التي وهبها الله لها، ما دامت تسعى للخير وتحارب الشرِّ ولا تتجاوز الحدود التي وضعها الله لها، مثلما يوصينا الإنجيل:
فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلاِنْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. لأَنَّ هَكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ. كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ. (1 بطرس 2: 13–17)
*******
ماذا يقول لنا يسوع المسيح عن هذا الموضوع؟ لقد قال أحِبُّوا الناس الذين يُمثِّلون الحكومة. لذلك، يجب أن لا تنتقموا من السلطات الحكومية بل قابلوهم بمحبة. ثم صلُّوا من أجل الحكومة أيضًا.
فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ. (1 تيموثاوس 2: 1–2)
إنَّ الحكومة تختلف تمامًا عن جسد المسيح (أيْ الكنيسة)، ولكن الحكومة تخدم الله أيضًا، وإن كانت خدمتها في مجال يختلف اختلافًا شاسِعًا عن خدمة الكنيسة. فالسلطات الحكومية ضرورية؛ لأنه لا يمكن كبح الجريمة بدونها. لذلك يجب عليكم الاعتراف بسُلطة الحكومة، ولكن لا تصبحوا جزءًا منها. فأنتم من أتباع المسيح، وهو بنفسه قد رفض أن يكون حاكِمًا. فقد انصرف وابتعد عن الناس عندما أرادوا أن يجعلوه ملِكًا:
وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ. (يوحنا 6: 15)
وعندما جاء إليه المُجَرِّب ليجرِّبه قائلاً له إنه سيعطيه جميع ممالك الدنيا، رفض يسوع ذلك.
ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي.» حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ.» (متى 4: 8–10)
غير أن تعامُل يسوع المسيح مع السلطات الحكومية كان باحترام.
*******
الحكومة تضطر على المساومة
لا تستطيع أيُّ حكومة البقاء في الحكم دون استخدام القوة. فمن المستحيل أن نتخيل دولة لا تستخدم قوات شرطة أو جيش. وباختصار، لا توجد حكومة لا تقتل. وكذلك لا يمكن لأحد أن يتخيل حكومة لا تلجأ إلى الأكاذيب الدبلوماسية لتمويه الوضع الحقيقي. فقد ذكر أحد التقارير أن شارل موريس تاليران Talleyrand (دبلوماسي فرنسي) قد قال مرة: «إنَّ الخطابات السياسية هي لتغطية النوايا الحقيقية للسياسيين.» فلا توجد حكومة لا تقدِّم تنازلات للدعارة، أو لغيرها من عمليات إفساد العلاقات الإنسانية. ولا توجد حكومة لا تساوم على موضوع الرأسمالية، وحبِّ المال، والمساواة والإنصاف.
وعندما قال يسوع المسيح: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ،» فإنه كان يتحدث عن المال. (راجع لوقا 20: 22–25) فقد وصف المال وكأنه شيء غريب ودخيل، وليس له هو شخصيًّا أيُّ علاقة به. فأعطوا هذا الشيء الغريب للإمبراطور؛ لأن كُلاًّ من المال والقيصر ينتمي أحدهما إلى الآخر. ودَعُوا المال يذهب إلى حيث ينتمي، ولكن أعطوا لله ما هو لله. وهذا ما تعنيه هذه الكلمات. أمَّا أرواحكم وحياتكم فلا تنتمي إلى قيصر بل إلى الله وإلى الكنيسة. ودَعُوا المال يذهب إلى الإمبراطور. فإنَّ حياتكم تنتمي إلى الله! فيهدف يسوع إلى توضيح الأمر لنا لندرك أن الدولة ضرورة لابد منها لأنها نظام يمكن الاعتماد عليه في هذه الدنيا، إضافة إلى كونها مُجرَّبة عبر التاريخ. ولكن لا يمكن أن يكون هناك أيُّ دولة مسيحية. إذ إنَّ المكان الذي تحكم فيه القوة لا تحكم فيه المحبة.
*******
لذلك، نحن لا نشترك اشتراكًا فَعَّالاً في السياسة أو في استخدام العنف. وليس لدينا أيُّ تنازلات أو مساومات على هذا الموضوع، ونرفض الانخراط فيه. فيقول الإنجيل:
فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ.» (متى 20: 25–28)
غير أن هذا لا يعني أننا غير مبالين أو لا نكترث لأحوال الآخرين. فنحن نهتمُّ بكل رجل من رجال السياسة، أيًّا مَنْ كان. ونتمنى لجميع السياسيين أن يسمعوا عنا، ليدركوا أن هناك حياة من العدل والسلام، حيث يبتهج فيها الناس بعضهم ببعض. ونتمنى لجميع صُنَّاع السياسة أن ينقادوا لهذه الأهداف، ولا يزيغوا زيادة على اللزوم عن طريق السلام والعدل.
*******
إذا احتاجت الحكومة إلى مساعدتنا في عمل سلمي بحت، فنحن طبعًا على استعداد للتعاون. فالمسألة هي أننا يجب علينا أن نطيع الله أكثر من الناس. مثلما يُعلِّمنا الإنجيل:
فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ.» (أعمال 5: 29)
*******
مجتمع ذو نظام مختلف كُليًّا
فلنرفع أيدينا عن كل ما يُسبِّب الحقد ويزيل السلام! فيجب علينا أن نعيش مثلما عاش يسوع. فقد كان يساعد الجميع، روحيًّا وجسديًّا. فلا يمكننا الموافقة على ما يؤذي الناس. وباعتبارنا من أنصار السلام، يتعيَّن علينا أن نتجنب ممارسة أيِّ نوع من العمل أو الانخراط في أيِّ نشاط سياسي لم يكن ليسوع أن يتورط فيه. فيجب أن تكون حياتنا كلها وبكامل تفاصيلها مُكرَّسة للمحبة. فإنَّ دعوتنا الإلهية ليست لاستخدام القوة الحكومية، بل لأن نحيا حياة يسوع المسيح، الذي لم يُقدِّم غير أعمال المحبة، ولم يقتل أحدًا على الإطلاق.
*******
أنا أؤكد باستمرار على أهمية الدور الذي تلعبه الحكومة في الدولة، وعلى حاجة عالمنا الحالي إلى بسط ذراع القانون فيه، وعلى حاجته إلى السلطات الحكومية، وحتى إلى قوة السلاح إذا استدعت الحاجة، باعتبار الحكومة هي من ترتيب الله للعالم، لكي يستتب الأمن، ولكي لا يتفاقم الشرُّ، ولا تعمُّ الفوضى. لذلك، يجب أن لا تُلغى هذه الأمور الحكومية، وإنما يُنظر إليها بأنها جزء من التدابير والآثار القديرة التي تصنعها وقع أقدام الله الصارمة، عندما يسير الله في التاريخ. ولكني أشعر، كما كان شعوري دائمًا، بأن الحياة التي تجري من قلب يسوع، أيْ من أعماق قلب الله، صاحب الحقيقة المطلقة، تختلف اختلافًا كُليًّا عن دور الحكومة. فإنها مفارقة، ولكن يمكنك القول، إذا جاز التعبير، إنَّ خطوات الله الصارمة تسير غالبًا في طريق مغاير لقلبه الحنون.
*******
نحن لا نلغي احترامنا للحكومة، لأن الله هو الذي أقامها. فالإنجيل يوصي بذلك:
لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. (رومة 13: 1)
أمَّا دعوتنا الإلهية فتختلف كُليًّا؛ فهي تجلب معها نظامًا اجتماعيًّا يختلف اختلافًا كُليًّا عن كل ما هو ممكن في نظام الدولة والنظام الاجتماعي الراهن في البلاد. ولهذا السبب نرفض أداء القَسَم أمام أيِّ محكمة كانت؛ ونرفض الخدمة المُسلَّحة، جنودًا أو شرطةً، في أيِّ دولة كانت؛ ونرفض الخدمة في أيِّ منصب حكومي مهم – لأن كل هذه الوظائف مرتبطة إما بالمحاكم القانونية، وإما بالشرطة، وإما بالجيش.
*******
في المسيح ينتهي مفعول الشريعة
إنَّ المسيح غاية الشريعة، كما يقول الإنجيل: «فَإِنَّ غَايَةَ الشَّرِيعَةِ هِيَ الْمَسِيحُ لِتَبْرِيرِ كُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ.» (رومة 10: 4) فقد جاء الإيمان. وتمَّ التخلُّص من المراقب الصارم. ومع ذلك، فالبشر يبقى بشرًا: فبمجرد أن يترك الإنسان جماعة الروح القدس، سيخضع للشريعة مرة ثانية. فعندما نَهجُر المسيح وكنيسته سنصبح تحت نفوذ السُّلطة الحكومية. ولكن يبقى الله أمينًا؛ فهو يفصل السُّلطة الحكومية عن الكنيسة، ويفصل وحدة الكنيسة عن السُّلطة الحكومية.
*******
من المثير للاستغراب أن مجامع الكنيسة المسماة بالكنيسة الاعترافية في ألمانيا صرَّحت بما يلي: «لا انسحابًا من الكنيسة!» غير أن تصريحًا كهذا يشلُّ كل مبادرة مهما كانت صغيرة. لأنه لو كانت الكنيسة بالأساس لا تؤمن بالله أو بوصاياه، فإنه من غير المجدي قول: «إننا نحتج، ولكننا سنبقى في الكنيسة.» فلو كانت الكنيسة تُسيِّرها الشياطين والوثنية، فإنه من غير المجدي أيضًا قول: «إننا نحتج، ولكننا سنبقى في الكنيسة.»
إنَّ سبب هذا الموقف العليل واضحٌ. وذلك لأنه حتى الجماعات المحتجة في الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية لديها إجلال غير مشروط للدولة الاشتراكية القومية (الدولة النازيَّة). فتراهم على استعداد للمشاركة الفعالة في الوظائف الحكومية. فما الفائدة إذن، لو احتجوا – من داخل الكنائس – على بعض الأحداث المتفرقة التي تؤدي إلى قمع حرية التعبير عن الرأي، وعمليات القتل الوحشية، وغيرها من الفظائع، بينما يدعمون من الناحية الأخرى التطبيق الشامل لهذا النظام الشرير؟ وها نحن نرى التبعات السلبية المترتبة عن فشل كنائس الإصلاح في اتخاذ موقف أصيل، مثل موقف المسيحيين الأوائل، فيما يتعلق بالدولة والمجتمع. ونحن ندفع ثمن الخطايا التاريخية لتمرد الفلاحين (والحرب التي ترتبت عليها) ألا وهي: العبودية لحكم الأمراء والسلاطين، والاعتداءات الشنيعة التي اُرتُكِبتْ بحقِّ الحركة المسيحية الشعبية المعروفة باسم أنابابتسم Anabaptism. ويُذكِّرنا هذا أيضًا كيف بيعت الديانة المسيحية في إنجلترا إلى الدولة.
ويرجع سبب هذا الخطأ إلى إساءة فهم كلام القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة الإصحاح 13 الآية الأولى: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ.» وقد تمَّ تكرار الاستشهاد بالآيات 1–5 بصورة غير منقطعة من قِبَل الكنائس الرسمية للدفاع عن وُلوعها بالدولة:
لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ، يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ، فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ، فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذَلِكَ، يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. (رومة 13: 1–5)
وتقول الآيتان 6 و 7 التاليتين إنه بناء على ذلك يجب على المسيحيين دفع الجزية أو الضرائب.
فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. (رومة 13: 6–7)
ولكن، بعد ذلك، يأتي جواب القديس بولس الرسول على موضوع الدور الذي تلعبه الحكومة. فيأتي جواب المحبة أولاً:
لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ، فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ...» وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.» اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ. فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ. (رومة 13: 8–10)
وتتحدَّث الآيتان 11 و 12 عن المستقبل الإلهي:
هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ. فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ. فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ، وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. (رومة 13: 11–12)
لقد تحدثنا عن الأصل الإلهي للدولة، بالمعنى النسبي. (رومة 13) والآن، دعونا نتحدث عن الأصل الشيطاني للدولة بالمعنى النسبي. بطبيعة الحال، إنَّ أيَّ ارتباط بالشرِّ هو شرٌّ، وعليه سوف يبعدنا هذا الارتباط حتمًا عن الله، ويأخذنا إلى إبليس. ولم يؤسس الله سُلطة الحكومة إلاَّ على أساس علاقتها بالشرِّ، أيْ بالمعنى النسبي، ولابد أن تسقط في نهاية الأمر في يدي إبليس. (اقرأ رؤيا 13 وبالأخص الآية 7) إنها فكرة صعبة. فليس هذا النظام النسبي إرادة الله المطلقة. ومع ذلك، فإنَّ الله لا يتخلى عن البشر كُليًّا. فهو يعطيهم نظامًا نسبيًّا. لأنه لو تخلَّى الله عنهم كُليًّا، لما كان في وسعهم سحب نَفَسٍ واحد إلى صدرهم؛ كما يقول الإخوة الهوتريون Hutterians بهذا الصدد: «لن يبقى لديهم أيُّ نفخة في الرئتين.» إضافة إلى ذلك، لو تخلَّى الله عنهم كُليًّا فلن يكون هناك ما يأكلونه أيضًا.
غير أن الله يسمح لشمسه أن تشرق ولسمائه أن تمطر على كل من الخطأة والصالحين على حدٍّ سواء. فلدى كل إنسان شيء من الله.
فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. (متى 5: 45)
كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. (يوحنا 1: 9)
هناك شرارة إلهية في كل إنسان، حتى في امرأة زانية في بيت للدعارة. ولهذا السبب تُعتبر روايات دوستويفسكي Dostoyevsky مهمة جدًا. لقد وضع الله نظامًا حتى في بيت الدعارة، وحتى في الجيش. ولكنه نظام ينتسب إلى الجحيم. إذ يحافظ الله على النظام، حتى في الجحيم.
وتُعتبر الحكومة وقوات الشرطة من وسائل الله للتعامل مع ما هو شرير في العالم، وليس مع ما هو خيِّر. فلا ننكر الحاجة الضرورية للقانون والنظام في عالم الشرِّ هذا. وهو نظام وضعه الله، ولكنه نظام نسبي. أمَّا نظام الله المُطلَق والخالص فهو المحبة.
لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ، إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ، فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. (رومة 13: 8)
في ظِلِّ الحقيقة المطلقة والخالصة للمحبة، لا يجوز أن يكون لنا أيُّ مشاركة فعالة بالسُّلطة الحكومية؛ وفي ظِلِّ الحقيقة المطلقة والخالصة لله، لا يجوز أن يكون لنا أيُّ مشاركة في قوات الشرطة أو الجيش. فإننا نتعامل مع عالمين منفصلين: أحدهما عالم الشرِّ والسُّلطة الحكومية؛ والآخر عالم المحبة وسُلطة الروح القدس.
يقول يسوع المسيح لنا: أنتم ستخدمون الله وحده! فإنكم ستخدمونه بأسلوب مُطلَق وخالص، وليس بأسلوب نسبي كنظام الدولة. ولهذا السبب رفض يسوع أن يصبح إمبراطورًا رومانيًّا مثل نيرون. وإنما أصبح يسوع المسيح، واكتملت المحبة فيه.
هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»