حانت الساعة الآن
إنَّ المعاناة والمصائب الهائلة التي تواجه الجنس البشري في هذه الساعة من التاريخ بالذات تجعل من الأمر عاجلاً لإظهار طريق جديد. فقد حان الأوان للكنيسة المقدسة التي تعيش حياة مشتركة أن تكون سراجاً على منارة، وكمدينة على تلٍ. (متى 5: 14-15) فلابد لواقعية الحياة التي يهبها الله أن تؤثر في الكثيرين بل في جميع الناس في النهاية. فها هي الساعة قد حانت الآن لوجوب نشر رسالة وحدة الله ونشر عدالته ونشر الأخوّة في ملكوته الإلهي علَى الْمَلَإ. ولكننا ضعفاء جداً، وأعدادنا صغيرة، بل صغيرة جداً، نسبة إلى جسامة حجم هذه الدعوة الإلهية...
لا يمكننا التهرب من دعوة يسوع إلينا ولا من نَخْسِ قلوبنا. وهي دعوة تنطلق إلى الجميع، ولاسيما إلى المتألمين والمحتاجين كافة. وعندما يصل حال البؤس إلى هذه الدرجة كما نراه من حولنا اليوم، تزداد دعوة يسوع إصراراً وإلحاحاً - أكثر من أي وقت مضى: "اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه!" (مرقس 16: 15) اِذهبوا، وابدَؤوا العمل! اُدعُوا الناس وجمّعوهم! فقد آن الأوان!
تبشـير جـميـع الخـلق
يجب توصيل الأخبار السارة العظيمة التي عُهِدت إلى كنيسة المسيح إلى الجميع ودون استثناء. فمن الضروري أن يسمعها كل شخص. ولا يعني هذا أنه من المتوقع من الجميع الانضمام إلى كنيسة المسيح المتشاركة في هذه اللحظة التاريخية بالذات. وإنما يعني أنّ رسالة الحقّ يجب عليها أن تصل إلى كل فرد من البشر ليسمع عنها: أي بمعنى أنّ هذه الوحدة الأخوية في ظلّ المسيح وكما هي مبيّنة في حياة الكنيسة المتشاركة هي هدف التاريخ البشري برمته. (يوحنا 17: 20-23) وستترك هذه الرسالة بصماتها في أعماق قلب كل إنسان، سواء أكان الشخص مستعداً لكنيسة المسيح اليوم أم لم يكن.
من الواجب على كل فرد في الكنيسة المقدسة أن يعيش وفقاً لرؤيته عن ملكوت الله الآتي. هذا وأنّ أولئك الذين نرسلهم في رحلات البيع أو التدريب المهني ليس لديهم أي واجب في مسك الناس من طوق ثيابهم بحماسة ومخاطبتهم في محاولة إحداث تغيير في حياتهم الشخصية. صحيح أننا نأمل أن يكون لديهم رؤية أكبر من نطاق ذاتهم، وينظرون إلى عظمة ملكوت الله الآتي، ولكن ليس إكراه الآخرين. نحن مبشري الملكوت النهائي؛ ونخرج من موقعنا كأصحاب للقضية وكمندوبي ملكوت الله. على أنّ تحوّل وانقلاب كل شيء هو قريب. فيجب أن ينهار كل شيء آخر. وستنتصر محبة الله وحدها! ونحتاج للقيام بهذه المهمة إلى أن نلتفت فعلاً وفي جميع الأوقات نحو العالم من حولنا لنقدم كلمة من الله؛ كلمة ذات صياغة ووزن تتلاءم مع اللحظة التاريخية المعاصرة. ويجب أن تكون كلمة لجميع الشعوب، وكلمة تعلن ملكوت الله الذي هو صاحب أعلى سيادة سياسية.
نحن نؤمن بأنّ لدى كل إنسان اشتياق إلى العدالة الحقيقية والمحبة الحقيقية والوحدة الحقيقية. لذلك يرحب باب المجتمع المسيحي المفتوح دائماً بجميع الناس. لكننا نعلم في الوقت نفسه أنه ليس كل شخص مستعد للعيش في المجتمع المسيحي الكليّ المشاركة عند أية مرحلة من مراحل حياته أو حياتها. فلا يمكنك أن تتوقع أن يكون في مقدور كل شخص أن يقبل ذلك في أية لحظة كانت. فلا أستطيع ببساطة الوقوف عند شارع لايبزج Leipzigerstrasse في برلين على سبيل المثال وأدعو الناس: "هَلُمُّوا هنا جميعكم، تعالوا وعِيشُوا في مجتمعات برودرهوف Bruderhof المسيحية!" فليس الجُبْن هو الذي يمنعنا من القيام بذلك. وإنما ستكون حماقة؛ فكثير من الناس ببساطة لن يكونوا في وضع يؤهلهم لفهم مثل هذه الدعوة. وعلى الأرجح لن يكون نموهم الروحي بالغ بما فيه الكفاية لتلبية الدعوة. إنَّ الله يجب أن يدعوهم أولاً. فلا يحقّ لي أن أدعو أي شخص إلا إذا كان الروح القدس بنفسه قد دعاه أولاً.
ربما يلزمنا أن نصلي من أجل أن ينعم الله علينا بتلك الإرساليات التي نذهب فيها لخدمة الشريدين (الذين لا مأوى لهم) وأولئك الذين يعيشون في ظروف قاسية وعلى وشك الموت جوعاً. وستكون هذه الخدمة كالوعظ بالإنجيل ولكن بأسلوب مختلف. وأعتقد أنه من واجبنا تقديم خدمة سامرية (على غرار السامري الصالح) في كل مرة يطلبها الناس منّا. ولكني أعتقد أيضاً بأننا بحاجة إلى إرشاد إلهي خاص يوجهنا في بحثنا عن خدمة المحرومين والبائسين، ويجب علينا أن نكون في الوقت نفسه على دراية من أنهم ربما لم يحصلوا على دعوة إلهية مثلنا لحد الآن. فلابد لها أن تكون إرسالية مخصصة للرحمة والشفقة. (إشَعياء 61: 1)
إذا لم يكن وجودنا هنا في المجتمع المسيحي مكرّسا لخدمة جميع الناس، وإذا لم نشغل أنفسنا بعد الآن بما يقاسيه العالم كله وبما يعانيه، فستفقد عندئذ حياة مجتمعنا المسيحي حقّها في الوجود.
أنَّ جميع قوى العنف وسفك الدماء، وجميع قوى الدنس الجنسي والغدر، وجميع قوى الكذب وحب المال، قد اكتسبت قوة أكثر من أي وقت مضى واستفحلت شراستها. وها هو الحقّ في كلام يسوع يسْطَع وضوحاً الآن ويقول لنا (بما معناه): لن يأتِي اليوم الأخير إلى أن يتمّ إعلان الإنجيل الذي يخصّ الخليقة كلها في جميع أرجاء العالم. (متى 24: 14) إذ أنَّ الإنجيل يبشر بخليقة جديدة، وبيوم خلقٍ جديد.
لقد حان الوقت المناسب الآن لإعلان الإنجيل والتبشير به لجميع الناس ولجميع الشعوب. وأنّ الكنيسة المقدسة معهودٌ إليها أمر تنفيذ هذه المهمة. وقد تمّ إرسال رسل المسيح بنفسهم إلى مناطق مختلفة في العالم من قِبَلِ الكنيسة المقدسة. فكيف لهم أن يذهبوا ما لم يكونوا مُرسلين؟ وكيف يمكن إرسالهم بدون تفويضٍ لإرسالهم؟ وكيف لهم أن يعلنوا السلام ويبشروا به ما لم يكونوا قد انطلقوا من مكان فيه سلام ليحملوا سلاماً معهم؟ (رومة 10: 15)
عندما يفقد الملح ملوحته
غالباً ما يرفع الناس الاعتراض التالي ضد الحياة المسيحية المشتركة لمجتمعات برودرهوف المسيحية Bruderhof فيقولون أننا يُفترض بنا أن نكون ملحاً للأرض، ولا ينبغي للملح أن يُذرّ على شكل كتل كبيرة بل على شكل ذرات صغيرة. وهكذا يجب على ملوحة الفرد المسيحي أن تنتشر على نطاق واسع.
إنَّ هذا الكلام يبدو مقنعاً للغاية للوهلة الأولى. لكن هناك أمران غير صحيحين فيه. أولاً، من الخطأ أن نتصور بأن المجتمع المسيحي الكليّ المشاركة لا يعمل عمل الملح خارج نطاق حدوده؛ لأننا في الواقع نرسل أشخاصاً إلى الخارج باستمرار. وثانياً، يمكن للمرء أن يتساءل: أَلا يفقد الكثيرون من المسيحيين الذين يعيشون عيشة منفردة (وفي ظِلّ غياب دعم الجماعة لهم) قوة ملوحتهم نتيجة المساومات والتنازلات التي يصعب تجنبها، وذلك بسبب تأثير قوة المزيج الخطير من الأرواح التي تحيط بهم؟ لأن الحدّيّة التي يتسم بها الملح يفقد حِدَّته. (متى 5: 13) فتبدأ الضبابية تشوب كثير من الأمور في حياتهم ويسود عدم الوضوح على طريق المسيح عندهم. لأن الناس يعتادون على ترويض أنفسهم على قبول العديد من الظواهر السلبية التي يصادفونها، ويضيع تدريجياً الوضوح الذي في شهادة أيمانهم.وهكذا نفهم لماذا تُعتبر الحياة المشتركة في مجتمع الكنيسة مهمة للغاية ولماذا يُعتبر كلام الناس غير صحيح عندما يقولون لنا: "سيكون لكم تأثيراً أكبر لو عاش كل واحد منكم في مدينة مختلفة؛ الأمر الذي من شأنه أن يوفر لكم المزيد من فرص الاتصال مع الآخرين". إنَّ سر الحياة المسيحية المشتركة لا يعتمد على تكثير عدد الناس الذين يعيشون معاً. ثم إنّ الناس لا يقدرون بقوتهم الذاتية البشرية - وبدون المسيح - على تحقيق ما يمكنهم تحقيقه في المجتمع المسيحي حتى لو عاشوا عيشة متشاركة. لأن سرّ الحياة في المجتمع المسيحي هو الاتحاد مع السحابة الخفية للروح القدس، الذي يُوهَبُ لأولئك الذين ينتظرون الله، ويجعلونه كل شيء في حياتهم.
طريقة التبشير
عندما خرج رسل يسوع المسيح إلى العالم، لم يستخدموا أسلوب الإقناع أو محاولات السيطرة على عقول الناس أو على إرادتهم. فقد جاء الرسل مجيئاً بريئاً ووديعاً كالحمام. (متى 10: 16) فبهذه الطريقة قاموا بمهامهم التبشيرية. فقد تمَّ إرسالهم كأبسط المخلوقات، ومثل أكثر الطيور تواضعاً التي تُقدَّم كقرابين، ومثل الحملان أو الحمام.
ومع ذلك كانوا حكماء كالحيّات، شريطة أن لا يتعارض عقلهم وذكائهم مع البراءة والنقاء والخير. لذلك كان يتحتّم عليهم أن يكونوا على وعي تام بما كانوا مقدمين عليه. قال يسوع: "لاَ تَدِينُوا". (متى 7: 1) فلا تَستعلوا على الآخرين وتبدؤوا بإصدار أحكاماً ختامية على الناس. لكنه من ناحية أخرى قال لنا أيضاً أن نحكم على كل شيء وفقاً للروح التي يحملها وأن نتخذ موقفاً واضحاً إزاءه: "أيُّها الأحِبّاءُ، لا تُصَدِّقوا كُلَّ رُوحٍ، بَلْ امتَحِنوا الأرواحَ لِتَرَوْا هَل هِيَ مِنَ اللهِ، لأنَّ كثيرًا مِنَ الأنبياءِ الكَذّابينَ جاؤُوا إلى العالَمِ". (1 يوحنا 4: 1) سوف تتعرفون على كل شيء من ثمره. كونوا حكماء، وانتبهوا خصوصاً من الأنبياء الكذبة الذين يأتون بثياب الحملان. فهم كالذئاب الخاطفة، الذين سرعان ما تنكشف طبيعتهم الحقيقية. حَذارِ من كل ما يحمل وجهاً إنسانياً، لأن الذي سيغدر بكم سيكون من بين أكثر الذين تثقون بهم ثقة بريئة ومن بين أعزّ أصدقائكم. وسيخونكم ويعتقلكم ويسلمكم للسلطات أولئك الذين لا تتوقعونهم بالمرة.
إنَّ معركتنا هي ليست ضد اللحم والدم ولكن ضد الأجواء الأثيمة. (أفسس 6: 12) فالأجواء هي أهم ما في الموضوع: فمن الضروري جداً أن تكون الأجواء التي تصدر عنّا كمجتمع مسيحي أقوى وأنقى من الأجواء النجسة التي عادة ما نراها بين الناس وبالتالي أكثر نصرة منها. ولهذا السبب يجب أَلَّا يترك أحد الكنيسة المقدسة ويعيش مستقلاً لوحده. بالإضافة إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يتجرّأ في الذهاب في أية إرسالية ما لم يكن مسلّحاً لها من قِبَلِ الروح القدس. (مرقس 13: 11؛ أعمال 13: 2-4)
لقد شكّل يسوع جوهر صميم المجتمع المسيحي مع التلاميذ الاثني عشر، وذهبوا معاً إلى الناس في أرجاء القرى والأرياف. لذلك نصوغ حياة مجتمعنا المسيحي وفقاً لهذا النهج وكذلك إرسالياتنا.
يكتب واحد من أصغر أعضاءنا، ممن شعر بالدعوة للخروج إلى الناس في المدن المجاورة، عن لقاءات مذهلة حصل عليها هناك. هذا وأنّ ثلاثة إلى أربعة إخوة يذهبون في رحلات مماثلة خلال معظم أيام السنة. إنها محاولات صغيرة للتواصل مع الآخرين، ولكنها تحتاج إلى إلهام إلهي مباشر في قلوب أولئك الذين يجري إرسالهم، ولا يمكن القيام بهذه الإرساليات إلا بموافقة تامة لمجتمع الكنيسة المقدسة بأكمله.
إننا متحدون بأجمعنا ومن كل قلوبنا ليرسلك المسيح بنفسه. (متى 9: 38) ونرجو أن يقودك خطوة خطوة ومن مهمة لأخرى. وليحفظك المسيح لئلا تنجرف أنت مع قلبك ولسانك باختيار الكلمات المثيرة والمنمقة أو البليغة عندما تبشر الناس. فالذي تحتاجه هو إلهام إلهي لتقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب عندما ترى أنّ الشخص الذي تلتقيه قد وصل إلى نقطة الشوق وامتلأ ترقباً لتدخُّل الله في حياته، وكذلك عندما ترى أنه قد صار أخيراً مستعداً لسماع وقبول هذه الكلمة بالذات. وصلاتنا القلبية هي من أجل أن يرشدك الله بهذه الطريقة. وسترافقك صلواتنا وقلوبنا وتدعمك ليلاً ونهاراً...
هناك العديد من المخاطر عند الذهاب في الإرساليات الكنسية، مثل الخطر الذي نجعل فيه المجتمع المسيحي وكأنه مثالي. فما أتمناه لك هو أَلَّا تمثّل سوى ما هو حقيقي وواقعي في حياتك وفي حياتنا المسيحية المشتركة. (1 يوحنا 1: 3)
يمكن تشبيه الكنيسة المقدسة بسراجٍ ذي لهبٍ مشتعل يسطع النور منه. فيضيء النور إلى الخارج من خلال زجاجه إلى العالم كله. وإشعاعات النور تمثل الإخوة والأخوات المرسلين إلى الخارج. إنهم مرسلو الله، ومرسلو النور، وملائكة النور، ورسل النور، وإشعاعات نور بشارة الإنجيل المرسلة من قِبلِ نور الكنيسة المقدسة، ونور المحبة الإلهية في يسوع المسيح، وفي الروح القدس. وتبيّن لنا هذه المشابهة أنّ المرسلين ليسوا منفصلين ومستقلين بأنفسهم، ولا يقومون بأي عمل من تلقاء نفسهم. وتبيّن لنا أيضاً أنّ المجتمع المسيحي للكنيسة المقدسة ليس منغلقاً على نفسه ولا يقوم بأي شيء لمصلحة ذاته. فمن طبيعته الإشراق وإرسال النور.
عملنا صغير جداً
يا لصغر عملنا نسبة إلى المعاناة الهائلة في العالم وكذلك في ضوء الأحداث العظيمة التي تجري عبر مجرى التاريخ. وأعتقد أنه من المهم جداً أن نفهم هذا الأمر. ففي هذا العالم الذي يحوي البلايين من البشر سوف يزيد اعتمادنا على الصلاة لكيما يكون لجهودنا المتواضعة في بيع كتبنا ومنتجات معملنا تأثيراً معيناً في العالم بأساليب لا يعلم بها إلى الله. (لوقا 10: 2)
ينبغي للتبشير أن يكون حَـثّـاً وتحدياً لا يوجّهان إلّا للذين قد جذبهم الله سلفاً بدرجة أو بأخرى. فلا يقدر أحد أن يأتي إلى المسيح، ما لم يجذبه الآب. (يوحنا 6: 44) إنَّ الله هو أعظم منبّه، الذي يجعل الناس تستيقظ وتفيق. فهو يضرب بضربات مطرقة قوية من خلال أحداث التاريخ. بالإضافة إلى أنَّ هزّ الضمائر هو خارج نطاق قدرتنا نحن البشر. فواجبنا هو البحث وإيجاد وتجميع أولئك الناس والجماعات الذين قد تأثروا داخلياً في قلوبهم.
أنَّ الدعوة موجهة للجميع. فكل من يريد حقاً أن يكون مسيحياً سيجد ترحيباً حاراً هنا في مجتمعنا المسيحي، كما نرحب بكل من يريد أن يكرّس حياته أو حياتها القصيرة إلى المحبة، وبكل من يريد ترك أسلوب حياته القديم وترك وراءه كل المساومات والتنازلات مع العالم، وكذلك بكل من يريد أن يتبع يسوع وليس سواه.
يوجد مسيحٌ خفيٌ في بعض الذين يزعمون أنهم غير مؤمنين. ولقد شهدنا أنّ المسيح يعمل بكل قوة في الأشخاص الذين لا يزالون ينكرونه بشفاههم. ويبيّن لنا هذا أنّ المسيح أعظم بكثير مما قد تتصوره عقولنا، وهو أكثر محبة وحنان مما قد تستوعبه قلوبنا. (1 يوحنا 3: 20) ولكن ينبغي أَلَّا يفاجئنا ذلك. فإذا كنا قد عشنا وتذوقنا ولو شيئاً قليلاً من روح المسيح القدوس فلن نسأل أياً من نلتقيه: أتؤمن؟ لأن محبتنا لهم ستحثّنا على زيارتهم والتعرف على ما ينبض في قلوبهم، ويجب علينا إدراك ذلك حتى قبل أن يجري التطرّق إلى أي موضوع عن الوحدة معهم.
على خُطى يسوع
لا يتطلب التبشير الرسولي البسيط قاعات واسعة ومحاضرات كبيرة. إنه أبسط بكثير من ذلك. إنه يعني إيجاد ذلك الرابط الحيّ الذي يربط شخصاً بآخر وبيتاً بآخر ومدينة بأخرى. إنه يعني اكتشاف خُطى يسوع المسيح لمعرفة الطريق الذي ذهب فيه، لنتمكن من الذهاب إلى المكان نفسه الذي كان فيه. أما اكتشاف ذلك فهو فعلاً نعمة إلهية بحتة...
يجب علينا القول من أنّ الشيء الرئيسي هو ليس تجميع أفراد أو جماعات صغيرة ليعيشوا في مجتمع مسيحي كليّ المشاركة: فهذا لا يتفق مع عظمة الله. فالهدف الرئيسي للتبشير هو جعل العالم كله يدرك من هو الله وما هي مشيئته، وأيضاً ليدرك قدرته لتحقيق المحبة الكاملة من خلال يسوع المسيح، وكذلك إمكانية وضع هذه المحبة في حيز التطبيق هنا والآن في حياة مسيحية مشتركة. وكذلك لنشهد للعالم بأنّ الوحدة التي نعيشها اليوم في عدالة اجتماعية كاملة، وفي إخاء كامل هي بالحقيقة ممكنة التطبيق والتحقيق. فالشيء الرئيسي هو أن يعرف العالم كله، بما فيه أولئك الذين يشغلون الأماكن المرموقة وكذلك الجماهير المحرومة، أن يعرفوا أنّ الشيء الذي قد جرى نسيانه نسياناً شبه تام هو بالحقيقة واقع ملموس وهو لا يزال ممكناً.
هذا المقال مقتطف من كتاب "ثورة الله"