لقد جاء يسوع المسيح لخلاص بني البشر، ولكنه دعاهم أولا إلى التوبة وإلى اِتِّباعه. إلّا أننا نرى أن العديد من المسيحيين ينبهرون بوعد الخلاص الذي يقدّمه المسيح، ولكنهم لا يريدون أن يتوبوا توبة كاملة. والأمر المفجع هو أن ألَدّ أعداء يسوع، غالبا ما يكونون من المتديّنين، وليسوا من غير المؤمنين. وقد حصل هذا حتى في زمن الحياة الأرضية ليسوع نفسه، فأكثر الذين أبغضوه لم يكونوا الجنود الذين صلبوه، ولكن من الفريسيين والكتبة المتديّنين جدا، الذين كرهوا رسالة التوبة التي جاء بها المسيح
عندما ظهر يوحنا المعمدان في برية اليهوديَّة، دعا الناس إلى التوبة – وإلى تغيير قلوبهم وأفكارهم. ولم يجامل بالتأكيد أولئك الذين جاؤوا إليه. إذ بيّن لهم بوضوح مدى ابتعادهم عن الله. (متى 3: 7-9) ولم يكن يوحنا المعمدان الوحيد الذي تكلم عن التوبة، فقد فعل ذلك يسوع المسيح أيضا، من بداية تعاليمه في الكتاب المقدس إلى آخرها.
أما الناس فيبغضون دعوة يوحنا المعمدان وهي: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ!» (متى 3: 2) لأنهم لا يفهمون معنى التوبة. فلا تعني التوبة التعذيب الذاتي؛ كما أنها لا تعني أن يُدان الإنسان من قبل الآخرين، بل إنها تعني: أولا، الابتعاد عن رذائل الفساد، وعن الجري وراء المال، تلك الرذائل التي تتميّز بها الطبيعة الساقطة للبشرية. وثانيا، السماح لقلوبنا بأن تتأثّر بأجواء ملكوت الله. فكل من اختبر التوبة الحقيقية، يعرف أنها تجعل القلب يذوب كالشمع، بحيث أنها تصدمنا عن طريق كشف آثامنا لنا. على أنه ينبغي أن لا يكون هذا بحد ذاته هو الاختبار المركزي للتوبة. بل يجب أن يكون الله مركز قلب التائب – فلا يوجد غير الله مَنْ يأتي بالمصالحة، ذلك الإله الذي كُشِف لنا على الصليب كمحبة.
من رسالة: يجب أن يمضي كل واحد مِنّا أوقاتا صعبة ومؤلمة عند التوبة. وأناشدك بأن تقبل ذلك، ليس كعقاب بل كنعمة إلهية. وألتمس منك أن لا تعذّب نفسك، بل أن تفهم بأن المسيح يريد أن يحرّرك.
من رسالة: أتعرف حقا معنى التوبة؟ فعندما يتوب الشخص، يتغير بطريقة جذرية، بحيث يشعر كل من يلتقي به، أن قلبه قد تغيّر. وقد كان ذلك واضحا للجميع في رواية «ترنيمة عيد الميلاد A Christmas Carol» للكاتب الإنكليزي تشارلز ديكنز، فقد وجد جميع الذين التقوا بالشخص البخيل المُسن «سكروج Scrooge» في يوم عيد الميلاد، أنه قد صار رجلا مختلفا عن مساء اليوم الفائت. فأتمنى لك مثل هذه التوبة.
لو كان لدينا إيمان واثق بيسوع وبجبروت موته على الصليب، لحصلنا على مغفرة لذنوبنا، حتى لو كنا أشرارا وخطأة. ولكن يجب علينا أن لا نستغلّ إحسانه وطيبته، لأنه سوف يدين كل خطيئة، ومساومة مع الشيطان. فهو يحذرنا تحذيرا شديدا من الفجور على سبيل المثال بحيث يقول: ينبغي أيضا أن لا ننظر بشهوة إلى امرأة. فلنقبل حِدّة كلامه القاطع. (متى 5: 28)
هناك أوقات في حياة كل إنسان عندما يتقرّب الله إليه. وهناك مثل هذه الأوقات أو الساعات التي يتقرّب الله فيها إلى كل كنيسة أيضا. وحسب سفر الرؤيا في الإنجيل، فإنّ يسوع تكلّم من السماء بلسان الرسول يوحنا إلى الكنائس السبع، قائلا لكل كنيسة ما كان عليها أن تتداركه، ولماذا كان عليها أن تتوب، إضافة إلى قيامه بتشجيعها. (رؤيا 2-3) وكان ذلك التقرُّب الإلهي يُعتبر بالتأكيد ساعات إلهية مهمة لتلك الكنائس.
إنّ الله صالح بلا حدود. وعندما يجيء مرة إلى الشخص، فقد يجيء مرة ثانية وثالثة ورابعة أو خامسة أيضا، ولكنه ربما لا يجيء بالمرة. فالأمر متروك لنا، إذا كنّا نستمع إليه أو لا نستمع.
يستطيع الله أن يتخلل بنظره الثاقب ويرى كل شيء، بما في ذلك أعماق قلوبنا، مهما كنا نتظاهر بأننا أقوياء ومسيطرين، ومهما كنا مخادعين. فلا يوجد لدينا أية فرصة لتجديد أنفسنا وحياتنا، إلّا أذا وضعنا نفوسنا تحت نور الله، كما هي عليه لكي يتفحصها ويشفيها. وكل شيء ممكن لو وضعنا نفوسنا طواعية تحت نور الله. أما لو رفضنا القيام بذلك، فسوف يكون كل شيء في حياتنا معرّضا للخطر.
إنّ أروع ما في الدنيا، أن يتوب الإنسان بصدق. أما الله فيتقرّب كثيرا جدا إلى النفس التائبة! (لوقا 15: 7-10) ويتحوّل القلب من قلب من حجر إلى قلب من لحم، وتتغير المشاعر والأفكار والأحاسيس، وتتغير وجهة نظر الإنسان بأكملها عندما يوهب نعمة التوبة.
يجب أن نحصل على حياة جديدة؛ ويجب أن نتغيّر؛ إلّا أن هذا التغيير يجب أن يصنعه الله، وربما يغيّرنا بطريقة تختلف عما كنا نريد أو نتصور. فيجب أن نتخلى عن نظرتنا المثالية البشرية حول الكيفية التي يجري فيها تحقيق التنمية الروحية والتغيير الشخصي، والتخلّي عن أية مكانة شامخة، وطرح كل اجتهاد بشري متعالٍ. وإذا أردنا أن نتلاءم مع مستقبل الله الجديد، يجب علينا أن ندع الرب يغيّرنا.
من رسالة: أنا متأكد من قدرة يسوع المسيح على أن يهبك قلبا نقيا خالصا، وسلاما كاملا. فبالبداية، كلما اقتربت إليه، فسوف يزيد إحساسك بأنك مُدان على ذنوبك، ولكنك سوف تحصل في النهاية على الفرح الوجداني، والسلام الروحي. لذلك، فإنّ سعيك لله ينبغي أن لا يقلب حياتك إلى عذاب. إذ يرى الرب أنك تطلبه بقلب صادق. وأتمنى لك الحصول على الأمل والشجاعة في ذلك.
من رسالة: تفتح الندامة القلب لله، وهي تجربة مؤلمة جدا بحد ذاتها، ولكن ستتذكرها لاحقا بكل امتنان، باعتبارها نورا قد دخل في حياتك الماضية. (2 كورنثوس 7: 8-13) ولا تعني التوبة أن تعذّب نفسك، وتعيش مرتعبا من خطاياك، بل ينبغي أن يلين قلبك نحو الله، ونحو الناس الذين من حولك وتصير رحوما.
من رسالة: أتمنى أن تتوب توبة حقيقية، لأنها الأمل الوحيد لك في الصراع مع الحقد. ولا يوجد قلب صعب لا يستطيع الله لمسه وتذويبه. وأنا أعرف ذلك، لأنه لا يوجد أحد بيننا لم يتصلّب قلبه مرة على الله. فيا حبذا لو اختبرتَ اشتياق الله الكبير، ومحبته المتأجِّجة لك، ولكل واحد مِنّا! عندئذ ستتمنى أن يُستأصل منك كل ما يفصلك عن هذه المحبة الإلهية العظيمة، مهما كان ذلك مؤلما.
إنّ محبة الله كالماء: فالماء يبحث عن أخفض مكان. ومع ذلك، فلا يمكن أن نجعل أنفسنا متواضعين وودعاء باجتهادنا البشري. فلا يمكننا رؤية نفوسنا على حقيقتها – «نجسة وقذرة» – إلا في ظل جبروت الله، ومحبته ونقاوته والحقّ. (1 كورنثوس 4: 13)
بمجرد أن نرى ظلمة الخطيئة وفظاعة الانفصال عن الله، فسوف نشعر بشيء مما يعنيه المسيح بالتوبة. ومع ذلك، فالتوبة تعني أكثر من مجرد إدراكنا لخطايانا؛ إنها تعني الالتفات إلى ملكوت الله. وتعني أيضا أن نكون على استعداد لبذل كل ما في وسعنا من أجل تصحيح كل الأخطاء التي قمنا بها – رغم علمنا بأننا عاجزون عن إصلاح أي شيء بأنفسنا. وأخيرا، تعني التوبة تسليم نفوسنا للرب يسوع المسيح الذي يغفر آثامنا، والقادر على تحريرنا من قيود الخطيئة.
من رسالة: أحمد الله وأشكره على أنك قد أخذت تدرك خطيئتك، ولكني أناشدك بالتوقف عن التفكير بنفسك وماضيك واكتئابك، فلن يؤدي ذلك إلّا إلى مزيد من الاكتئاب. وهذا ليس توبة. فتصوّر كيانك الداخلي كبحيرة صافية، يعكس سطحها أشعة الشمس والنجوم والقمر. فلو قُمتَ بتحريك الطين في قعر البحيرة، أصبح كل شيء غير صافٍ وعكِرا، وكلما حرّكته أكثر زاد تعكُّر الماء. فاهْدَأْ وقِفْ بحزم في وجه الشيطان. عندئذ سيصفو الماء ثانية، وسترى في مرآة سطح الماء، محبة المسيح لك وللعالم أجمع.
هذه المقالة مقتطفة من كتاب «التلمذة للمسيح»