على مدى سنوات خدمتنا، يسألنا الكثير من المسيحيين الجدد الأعزاء عن كيفية الصلاة في حياتهم المسيحية الجديدة. ونقول لهم باختصار إنه لا توجد قاعدة معينة أو صيغة محددة للصلاة في الحياة المسيحية. فهي ببساطة حديث المؤمن المسيحي مع الرب يسوع المسيح ومخاطبته مباشرة وبكامل الانفتاح، لأن الرب يعرف الشخص معرفة كاملة، ولا يمكننا تخبئة شيء عنه.
ففي الصلاة يفتح المؤمن المسيحي قلبه للرب يسوع المسيح ويتكلم معه في كيانه بكل ما يريد وما يحتاج وما يطلب منه كهذه الطلبات: مغفرة خطاياه، إعانة ضعفه، تقويته في حياته المسيحية وعلى التجارب، نعمة معينة له أو لغيره من الناس، مساعدته على مسامحة أحد الناس، التَّمتُّع بسعة الصدر في تعامله مع الآخرين ... إلخ. حتى إنه يمكن أن يصلِّي من أجل أعدائه لكي يهديهم الرب وينعم عليهم بالخير، إذ إنه لا يقطع الأمل من توبتهم أو اهتدائهم.
فالصلاة بحد ذاتها ليست فريضة بل كلامًا حُرًّا مع الرب الإلَه بكامل التلقائية والصراحة والمحبة؛ محبة الرب الذي غفر خطايا المؤمن المسيحي. والصلاة جزء من علاقة المسيحي المؤمن بالرب يسوع المسيح طوال حياته، وتتطلب التواضع، وعدم استعراض صلاتنا لكي يرانا الناس، وتتطلب أيضًا عدم اتِّصافنا بروح الإدانة. فمن أجل أن يرسل الرب روحه القدوس إلينا ليقوينا على العمل بمشيئته، ينبغي أن نتحلَّى بالتواضع وكما قال هاينريش آرنولد: «إنَّ الروح القدس كالماء الذي يبحث عن أخفض مكان ليجري إليه، فهو لا يجيء إلاَّ إلى القلب الوديع والمتواضع.» وقال الرب يسوع:
وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. (متى 6: 5–8)
لذلك لا يمكننا تعيين أو تخصيص صيغة معينة للصلاة، لأن كل إنسان له حاجات تختلف عن غيره، وله تعبيره الخاص. ولكن من أساسيات الصلاة أن يكون المرء مستعدًا لكل ما يقوله الرب له. فالرب صالح ومشيئته صالحة. ثم إنَّ الرب يسمع صلواتنا، فقد قال لنا:
«وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اسْأَلُوا تُعْطَوْا، اطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ.» (لوقا 11: 9)
وقال الرسل في الإنجيل عن الرب يسوع المسيح:
«وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا.» (1 يوحنا 5: 14)
«مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ.» (1 بطرس 5: 7)
ورغم أن الرب يسوع المسيح عَلَّمنا الصلاة الربانية، العزيزة على قلوبنا، إلاَّ أنها ليست من أجل تحديدنا بصيغة صلاة معينة ومُتزمِّتة، لكن الأهم هو أن نأخذ روحيَّتها والمواضيع المذكورة فيها. فقد صلَّى المسيحيون الأوائل في الكنيسة الرسولية صلوات أخرى نابعة من القلب ومن الحاجة التي كانوا يمرُّون بها آنذاك. أمَّا نص الصلاة الربانية فهو كالآتي:
«أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.» (متى 6: 9–13)
والصلاة فردية وجماعية. والهدف منها أن نحيا وفقًا لمشيئة الرب في كل يوم، وهي تخلق وحدة حقيقية أيضًا بين أبناء الكنيسة. إذ إنَّ الصلاة هي وسيلة لطلب معونة الرب وتقويته لكي نحيا رسالته السماوية في حياتنا اليومية في كل ساعة وفي كل دقيقة. فهذا ما يريده الرب يسوع. فقد قال:
«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.» (متى 7: 21)
والصلاة هي حاجة الإنسان المؤمن المٌلِحَّة إلى الرب يسوع المسيح. فمن الطبيعي لمثل هذا المؤمن الذي يدرك حاجته إلى الرب أن يصلِّي بحرارة ودموع في أحيان كثيرة. وهذا ما عَلَّمنا إياه يسوع المسيح:
«صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.» (1 تسالونيكي 5: 17)
ولمعرفة مشيئة الرب، ينبغي قراءة الكتاب المقدس ولاسيَّما الإنجيل، قراءة فردية وجماعية، لَعَلَّ الروح القدس يرشد كل من ينشد الحقَّ إلى طريق الحقِّ.
وليبارك الرب حياتكم