إذا لم يكن لدينا هدفاً في كل ما نفعله سوى هذا: أن يأتي ملكوت اللـه، وأن تتم مشيئته على الأرض، عندئذ سيستجيب الله لصلواتنا. (متى 6: 33) وسيحقق اللـه أموراً أعظم مما تستوعبه قلوبنا. وسيحدث أكثر بكثير مما نَتجرّأُ على تعبيره بالكلام. وسيَتفوّقُ رده على أكثر صلواتنا جرأة. وللتأكد من أنّ الله هو الذي يقوم بكل هذا، فسيستجيب الله لدعواتنا ونحن في صلاتنا أو حتى قبل أن ننطق بها. (أشعيا 65: 24) فكل من يقرع باب الله ولا ينشد غيره سوف يتلقى ما يتضرع من أجله قبل أن يَفْطُنُ للأمر. (متى 7: 7- 11)
لنسأل اللـه أن يرسل روحه القدوس بسلطان متجدد. فيجب أن تنبثق أفكار جديدة من صميم أعماق الله التي تَتفوّقُ تفوّقاً كبيراً على أفكارنا البشرية وتصوراتنا الهزيلة. دعونا نصلي من أجل أعمال الله الجبارة، تلك الأعمال التي تكون مستقلة تماما عنا نحن البشر. وصلاتنا هي من أجل أن تقتحم سيادة الله حياتنا وتسيّرها كليّاً، ومن أجل أن يكشف الله لنا محبته، ومن أجل أن يصبح ملكوته الإلهي منظوراً ومهيأً لنزول الروح القدس والمسيح. سنقدم نفوسنا إلى هذه القضية، حتى لو كلفتنا حياتنا. وسنرهن حياتنا لها لعلّها تصير سبباً لتحرير جميع الشعوب.
ستنبثق قوى الله العجيبة في وسطكم بالإضافة إلى واقع ملكوته؛ إذ أنّ الروح القدس هو الذي يمكل على قلوبكم ويتخلّلكم ويأخذكم إلى عالم وأجواء ملكوت الله الآتي. (أعمال 2: 17- 21) وإن الريح التي تسبق العاصفة هي جزء منها. كما ينتمي الروح القدس إلى يوم الدينونة والخلاص عندما يقتحم الملكوت العالم، على الرغم من أنه هو أيضاً صوت اللـه في العاصفة التي تسبق حكم اللـه وسيادته. وفي كل مرة يحدث هذا فإنه يؤثر في العالم بأسره، ويشهد أيضاً على الحدث الذي نعرفه الذي كان أساس الكنيسة الرسوليّة في أورشليم.
نحن مائة وخمسون شخصاً من صغار وكبار (الآن أكثر من ثلاثة آلاف)، وكل واحد منا قد أرشده الله أرشاداً خاصاً. وقد قادتنا كل هذه المسالك المختلفة إلى الحياة في المجتمع الأخوي (الحياة المشتركة) وهو هدف مشترك لنا جميعاً. وهو يتوافق مع ملكوت اللـه المستقبلي. ونعني بهذا شيئاً أرضياً وأيضاً سماوياً. فنؤمن بالحياة بعد الموت أي الحياة الأبدية. لكننا في الوقت نفسه نؤمن بالحياة هنا على الأرض، تلك الحياة التي تتطلع نحو المستقبل الإلهي، والتي تتوقع من القوى السرمدية أن تغزو الأرض وتقهرها لصالح ملكوت الله الآتي.
ونؤمن أن الكنيسة المتشاركة يشترط عليها تمثيل دستور ملكوت الله الآتي هنا على الأرض والآن وفي هذه اللحظة، لأننا نؤكد على أن كنيسة المسيح هي سفارة حكم الله المستقبلي.
نقول إنّ الروح القدس هو مبشّرٌ بالمستقبل الإلهي؛ وإنه العنصر الجوهري للمستقبل العظيم. وهذا هو سبب تلقي الكنيسة للروح القدس، لا لغرض التكهن عن شكل خارطة ملكوت الله أو جدوله الزمني – حاشا لها – بل لعلها تسترشد حياتها بالمحبة الكاملة، وذلك توافقاً مع الروح القدس.
ويعني هذا بالتأكيد أننا في حالة من المعارضة الشديدة لروح العصر - zeitgeist. فإننا نقاوم كلا من روح الدكتاتورية وروح الليبرالية على حد سواء، لأنهما تطلقان العنان للشر والخطيئة، وتُبِيحَانِ للطبيعة الشهوانية لدى الناس أن تُرَوِّحُ عن نفسها، إذا جاز التعبير، لتنغمس باللذات. فكلاهما تسيران في اتجاه خاطئ. لذلك نُعتبر نحن غير مناسبين بحسب جميع وجهات النظر.
لن نحتاج بعدُ إلى أية لائِحَة من إرشادات "اِفْعَلْ" و "لا تَفْعَلْ"، ولا إلى جداول من الوصايا ولا إلى ألواح للشريعة. سيجري تنظيم كل شيء في ملكوت الله بواسطة ولادة الفرد ولادة روحية جديدة وبواسطة الإلهام الروحي في ظلّ سيادة روح المسيح.
لقد حثنا يسوع على العمل مادام النهار طالعاً. (يوحنا 9: 4) فقد شبّه ملكوته بعمال الكرم، وباستثمار الأمانات، وبالاستخدام الجيد لكل وزنة. فإذا كان ملكوت الله يعني تحويل وادي الدموع هذا إلى مكان للفرح، فهذا معناه أن هناك ميدان واسع من العمل في انتظارنا يترتب علينا إنجازه. فالعمل بجدٍّ، وليس سواه، هو الذي يتلاءم مع قدر النفس البشرية. وبطبيعتنا كبشر، فإننا مدعوون إلى حياة الإبداع. ولن نَحْظَى بالفرح السليم بالحياة ما لم يكن في عملنا وسعينا المشترك أجواء تسودها المحبة والصفاء الخالي من الضغائن.
لقد تم تسليمنا دعوة إلهية مهمة في سياق الصراع الهائل بين متضادين اِثنين. إننا لا نشابه العالم في موضوع معين وهو أننا نرفض التسليم بأسلوب إبعاد الناس بعضها لبعض وبالإبادة الجماعية المتبادَلة. إلا أننا قريبون من العالم ومن الطبيعة في أننا نسلـّم بالتعاون والتكافل المتبادل للقوة الاجتماعية البناءة. ونحن لا نستبعد أحدا. إذ أننا نؤمن أن هناك قوة صميمة راسخة في داخل جميع البشر ألا وهي قوة الشعور بالتضامن والخدمة المتبادلة التي تحاول تجميعهم. ونؤمن أن جميع الناس وبالرغم من شدة غورهم في الظلام إلا أنه ما يزال هناك في أعماق قلوبهم شرارة للنور. ونؤمن أن هذه الشرارة من النور التي في داخل كل شخص لا بد لها أن تجمّعهم معاً في النهاية في بحر النور ألا وهي الشركة مع الله.
ليس من غير المألوف أن نسمع الناس يقولون إنه من الخطأ محاولة تحقيق أي جزء من ملكوت الله قبل أوانه. هذا صحيح. فنحن كبشر لا نقدر على بل لا يحق لنا التعجيل في إحداث ما سيفعله اللـه. لكن قول الناس أنه من الخطأ دفع أي شيء ليحدث، فيميلون بهذا المنطق في كثير من الأحيان إلى تغطية انعدام ثقتهم بالروح القدس ومفاعيله. بِالطَّبْعِ لا يمكن للناس من رجال أو نساء الشروع في ملكوت الله. ولكن الله يمكنه إرسال مبشِّراً لملكوته: إنه يرسل الروح القدس، الذي هو جوهر الملكوت المستقبلي، والذي يسرع أمامنا ليبشرنا بالنظام الآتي.
هنالك العديد من الناس الذين أثقلت كاهلهم كثيراً المعاناة والآلام التي في العالم، وعليه أدركوا حتميّة مجيء العدل في يومٍ من الأيام. ولكن يسوع المسيح هو الوحيد - بالإضافة إلى شوقنا للعدل المزروع في ذات صدورنا - الذي قدم لنا ملكوت الله بكامل وضوحه وبكامل عدله وأظهر لنا السبيل إليه.
إنَّ الدولة كنظام والكنيسة التي تدعمها هما أحسن ما موجود في الظلمات، بالنسبة إلى الوضع المُرَوِّع للعالم (فبدونهما يصبح الشرّ أشدّ وطأة). لكن ملكوت الله لن يَأْتِيَ إلا عندما يتمّ الإطاحة بكل هذا الخير النسبي.
أما الخيرُ المتكامل فهو وليمة عرس الحمل والعشاء الرباني. (رؤيا 19: 7-9) ولا نحتاج إلى محاولة تخيّل الشكل الذي سيتخذه. فنحن لسنا مهتمين بوصف دقيق له أو بصور محددة عنه. إنَّ اهتمامنا ينصبّ بالدرجة الأولى على جعل كلاً من فرح الله والوحدة التي يريدها منظورتين على امتداد كل الأفق. فستكون كل المسكونة كنيسة واحدة شاملة للمسيح – بدون طوائف أو ملل، كما ستشترك الأرض بأسرها بوليمة عرس الحمل، وسيسود السلام في كل الأرض. وسيكون المسيح حاضراً في كل مكان فيها. ويعني العيش في مجتمع الكنيسة المتشارك أن نكون أمناء في ترقبنا وانتظارنا لذلك اليوم، وكذلك السعي بإخلاص نحوه. فيجب على كل عرس لدينا، وعلى كل وليمة عرس، أنّ يكون رمزا له؛ ويجب على كل مآدبنا المشتركة أن تكون علامة على الأُخُوَّة.
يحقق المسيح كل شيء، لأن كل شيء قد تحقق فيه سلفاً. فينعم الله علينا ببهجة لا حَدَّ لَها عندما نصرف نظرنا عن حياتنا السابقة ونحصل على الغفران عليها، ومن ثم نلتفت إلى حياة جديدة بشجاعة لكي نتَجَرَّأ على الإقْدَامِ. فهذا هو فرح البشارة في الإنجيل، وفرح الروح القدس، والفرح بالرب، والفرح الذي يحيط بكل ما في الحياة لأنه ينبع من الله الأبدي. (فيليبي4: 4) إنّه الفرح باليقين من أن هذا السرور نفسه هو مُلكٌ للجميع، وأن المستقبل هو للرب.
سيكون نزول ملكوت اللـه شيئاً مختلفاً حينما يعيد يسوع هذه الأرض للـه في يوم الخلق الجديد. ونَتضرّعُ إلى الله في صلواتنا ليحقق ذلك. فنحن كبشر لا نقدر على تحقيقها، ولا حتى بإيماننا. فاللـه وحده القادر على ذلك. فلا بدّ من مجيء صحوة ما؛ ولكن مع ذلك يحب أن يأتي شيء أعظم منها. هل يمكنكم اِسْتيعاب هذا؟ هل يمكنكم اِستيعاب حتميّة مجيء شيء حتى أكبر من الذي جاء في الأوقات الرسوليّة الأولية، أي ملكوت الله، والذي سوف يغيّر كل العالم؟
هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»