نحن في كنيسة الحياة المسيحية المشتركة المعروفة باسم برودرهوف نريد أن نعيش بذات الروح الذي عاش به المسيحيون الأوائل. فنحن مدعوون إلى حياة التكريس الكامل ليسوع المسيح والكنيسة.
ولكننا محاطون بالكثير من التوجُّهات الروحانية الزائفة والتوجُّهات المسيحية الزائفة. فكل هذه الأمور موجودة سواء كانت في السياسة أو في جميع أنواع الانحرافات في وسائل الإعلام.
ثم إنَّ الفكرة الإنجيلية عن الإيمان المسيحي هي «معرفة الرب،» وقبول يسوع المسيح مُخَلِّصًا شخصيًّا لك، وبعد ذلك تصبح أنت مُخَلَّصًا. وهكذا تنتهي المسألة بسرعة. غير أن هذا المفهوم الخاطئ الواسع الانتشار عن الإيمان المسيحي له ميزات فرديَّة ولا يُركِّز إلاَّ على الحياة الروحية للفرد، وهو في الواقع عكس إنجيل يسوع المسيح.
وهذا الشيء ليس جديدًا. فقد قاوم المسيحيون الأوائل بشراسة مسيحية كاذبة مماثلة منذ البداية. إذ كانت هناك طائفة قوية جدًا تسمى «الغنوصيين» (المشتقة من الكلمة اليونانية gnosis، أو «يمتلك المعرفة»). فقد زعموا بأنهم لديهم معرفة روحية متميزة، وإعلان روحي متميز، اللذين جعلاهم متفوقين على المسيحيين العاديين — وبأن هذه المعرفة المتميزة كانت كافية للخلاص. فلم يكُن مُهِمًّا ما يقترفه الإنسان في الجسد، ثم إنَّ الحياة المسيحية المشتركة لمجتمع الكنيسة الذي يتألف من الإخوة والأخوات المسيحيين، لم يكُن له أيُّ أهمية عندهم. لذلك، أخذ المسيحيون الأوائل يرفضون الغنوصية رفضًا تامًا، وأوضحوا الأمر إيضاحًا قاطعًا بأنه إذا كانت أفعالك لا تتوافق مع إيمانك، فأنت لست مسيحيًا حقيقيًا، ولا يمكنك أن تكون فردًا من «المؤمنين المُعمَّدين» (أيْ بمعنى المُعمَّدين الأوفياء لدعوة المسيح لهم). فكانت العضوية في كنيسة «المؤمنين المُعمَّدين» أساسية للغاية للتلمذة للمسيح. ويمكن رؤية هذه النقطة مُوضَّحة أيضًا في رسالة يعقوب الرسول في الإنجيل:
«لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: ‹أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ› أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟» (يعقوب 2: 18–20)
ونرى اليوم نوعًا مشابهًا جدًا من الروحانية الزائفة التي تتنكر في المسيحية. فهناك الكثير من هذه الأمور على اليوتيوب، وفي أماكن أخرى. وهي ذات توجُّهات فرديَّة بحتة، ولا حاجة للشخص فيها إلى القبول بمحاسبة الإخوة والأخوات الذين لديهم إيمان ودعوة مشتركة. فهذه الروحانية الزائفة لها جاذبية قوية، ونحن هنا في كنيستنا لسنا بمنأىً عنها.
وعلينا أن نتذكر أن المسيحية بدأت مع ولادة الكنيسة في عيد يوم الخمسين (العنصرة). وكانت التوبة هي الشرارة التي أوقدت هذه الولادة، وخلقت الوحدة بين الإخوة والأخوات في ارتباط سامٍ وفريد. إذ كانت المحبة الأخوية بين الإخوة والأخوات في الكنيسة قوية جدًا لدرجة أنهم كانوا يتقاسمون في كل شيء، ولم يحتفظ أحدٌ بأيِّ شيء لنفسه. فلم يكُن المقصود من المسيحية أن تكون مسيرة حياة فردية على الإطلاق.
وفي صلاة يسوع المسيح الأخيرة، في إنجيل يوحنا 17، لم يُصَلِّ يسوع من أجل تلاميذه هكذا: «أيها الآب، ليكُن الجميع أفرادًا أقوياء روحيًّا،» بل صَلَّى هكذا: «لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا ... لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي.» فهذه هي الدعوة الأساسية للمسيحية. فحيثما لا توجد وحدة، لا توجد شهادة مسيحية.
وللأسف، فإنَّ مفهوم الكنيسة هذا مفقود إلى حدٍّ ما عندنا نحن المسيحيين. وهناك البعض مِمَنْ يرون أن أسلوب الروحانية الخاص بهم هو أهم شيء عندهم.
ومن الجدير بالذكر في سياق هذا الموضوع أنه قد طُلِبَ مؤخرًا من الأخ سيمون وينترSimon Winter في مجتمعنا المسيحي الشقيق في كوريا الجنوبية يونج وول برودرهوف Yeongwol Bruderhof أن يتحدث إلى تجمُّع كبير من المسيحيين في كوريا الجنوبية الذين يريدون أن يعرفوا لماذا يكون الاعتراف بالخطايا في الكنيسة ضروريًا، بدلاً من مجرد الاعتراف بها أمام الله ونيل الخلاص. غير أن الإنجيل يقول:
«اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.» (يعقوب 5: 16)
أمَّا كتاب كنيستنا الذي بعنوان: Foundations of Our Faith and Calling (أيْ: الأساس الكتابي لإيماننا ودعوتنا) فيحتوي على الكثير من الكلمات الرائعة والمُهِمَّة ليقولها لنا عن هذا الموضوع، لذلك إليكم أدناه بعض المقاطع منه لتذكيرنا، وربما لإعادة إلهامنا:
لقد جاءنا يسوع المسيح بالبشرى السَّارَّة لملكوت الله: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ.» (مرقس 1: 15) فما هذا الملكوت؟ إنه حيثما يتم العمل بكامل إرادة الله، وحيثما يتم الالتزام بعدله، وحيثما تصبح السيادة الإلهية للسلام مُتجسِّدة على أرض الواقع كما تنبَّأ بها أنبياء إسرائيل. ويُلخِّص يسوع المسيح طبيعة الملكوت في وصيتين عظيمتين: «وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ.» (مرقس 12: 30–31)
ويَطلب مِنَّا يسوع المسيح أن نحيا الآن كمواطني ملكوته الآتي. فلا يكفي أن نقبله مُخَلِّصًا شخصيًّا لنا أو أن نقول له: «يَا رَبُّ، يَا رَبُّ.» فيجب علينا أن نبرهن عن محبتنا له بالأعمال، واضعين كلامه في الإنجيل موضع التطبيق، ولاسيَّما الموعظة على الجبل. فلا نريد دينًا يسعى إلى مستقبل البشرية خارج نطاق هذه الأرض فقط، ويُخدِّر الناس بالروحانيات المحضة. لا أبدًا، فنحن والبشرية جمعاء بحاجة إلى أن نتلقِّى العون هنا على هذه الأرض وفي هذه الساعة. إذ يسعى يسوع المسيح إلى تغيير عالمنا بأكمله، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وجميع جوانب الحياة الأخرى. فوصاياه عملية: أن نغفر غفرانًا غير مشروط؛ وأن ننبذ كل أشكال العنف؛ وأن نبقى أوفياء لمدى الحياة في الزواج؛ وأن نحيا بلا ثراء؛ وأن نخدم وكأننا أقل البشر شأنًا وأكثرهم اتِّضاعًا؛ وأن نتخلَّى عن كل سُلطة على الآخرين. وإنَّ تعاليمه ليست بمثاليات مستحيلة، وإنما هي أخبار سارَّة حقًّا: أخبار عن إمكانية التغلُّب على اليأس والموت اللذين يحكمان زماننا الحاضر، وذلك من خلال الحياة التي تُعاش وفقًا للمحبة الكاملة.
. . . . . . .
تعني محبة القريب حياة مُكرَّسة تكريسًا كاملاً للخدمة. وهي عكس كل المطامِح الأنانية، بما في ذلك التركيز على الخلاص الشخصي. وإننا نعيش الحياة المسيحية المشتركة في مجتمع الكنيسة لأنه يجب علينا أن نُركِّز اهتمامنا على احتياجات العالم كله. ويعترف كلٌّ مِنَّا بنصيبه في ذنوب البشرية ومعاناتها، وعلينا أن نتصرف ونقدِّم حَلاًّ عمليًّا من خلال حياة مُكرَّسة للمحبة.
. . . . . . .
أمَّا الانضمام إلى حياتنا المسيحية المشتركة (أو العضويَّة فيها) فهو لمدى الحياة. ويجري الدخول إليها عن طريق تقديم النذور. إذ إننا، بتقديم نذورنا، إنما نُقدِّم أنفسنا للمسيح بكل ما لدينا من ممتلكات ومواهب وطاقات بل حتى حياتنا لو تطلَّب الأمر، قاطعين عهد الوفاء لله، ولزملائنا الأعضاء، الذين نسميهم إخوة وأخوات في الكنيسة.
إنَّ الالتزام بخدمة الكنيسة مدى الحياة جزء لا يتجزأ من دعوتنا الإلهية: فنحن مقتنعون بأن المسيح نفسه قد دعانا لخدمته بهذه الطريقة المُعيَّنة مع هؤلاء الإخوة والأخوات المُعيَّنين، مهما كَلَّف الأمر. فلا يمكننا أن ينفصل بعضنا عن بعض، لأننا «هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ.» (رومة 12: 5) وإنَّ وعدنا بالوفاء هو ما يجعل الثقة المتبادلة ممكنة.
. . . . . . .
إنَّ تقديم النذور علامة على بذل الذات بالكامل، وعلى الالتزام الذاتي — دون تَردُّدٍ — بخدمة المسيح في مجتمع الحياة المشتركة للكنيسة... فقد قال يسوع المسيح للذين أرادوا أن يتبعوه: «فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.» (متى 16: 25)
. . . . . . .
ولَمَّا كانت نذور الانضمام أو العُضويَّة مُقدَّمةً لله، فليس لأيِّ إنسان سُلطة لِحَلِّها.
. . . . . . .
والمسؤولية المشتركة لرعاية الحياة الروحية لمجتمع الكنيسة بأسره تقع على عاتق كل فرد على حِدة، مراعاةً للضمير. إذ إنَّ حياتنا المشتركة هي للمسيح؛ فيجب على كل فرد أن يتأكَّد من أن لا شيء يملأنا ويرشدنا سوى محبة المسيح.
ولا يوجد أيُّ عذر يعفي أيَّ فرد من أفراد الجماعة المسيحية من هذه المسؤولية. فإذا كان هناك أيُّ أمر باطل أو خاطئ في مجتمع الكنيسة، فإنَّ كل فرد دون استثناء لديه مسؤولية أمام الله للعمل بلا كلل لإعادة سيادة المسيح علينا. وهذا يعني المثابرة وتحمُّل المصاعب بتواضع، دون الخوف من البشر، وعدم اِدِّخار أيِّ جهد أو تضحية، حتى يتم تصحيح الأمر. وهكذا يعتمد مجتمع الحياة المشتركة للكنيسة على إيمان كل فرد فيه.
. . . . . . .
تمنحنا حياتنا المسيحية المشتركة فرصًا كثيرة لتقديم أعمال المحبة بعضنا لبعض في كل مرحلة من مراحل الحياة، من الترحيب بطفل حديث الولادة إلى خدمة ورعاية الإخوة والأخوات الأكبر سِنًا في سنواتهم الأخيرة. وإنَّ أعمال المحبة هي ليست أعمال روتينية بل هي أعمال محبة أخوية — فهي مسألة اتِّباع وصية المسيح: «فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ.» (يوحنا 13: 14ب) فإننا نريد أن نحيا بحسب الإنجيل: «اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ وَهَكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ.» (غلاطية 6: 2)
ولذلك، فإننا نسعى إلى أن نضع في اعتبارنا بشكل خاص أولئك الذين يحملون أعباءً مُعيَّنة: الأرامل، والأيتام، والمعاقين والمرضى، والمصابين بأمراض عقليَّة ونفسيَّة، وأولئك الوحيدين. عندئذ يتحقق وعد يسوع المسيح بأنَّ: «كُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.» (متى 19: 29)
. . . . . . .
ومثلما يمكننا رؤية ألوان الطيف المختلفة في المنشور الزجاجي، هكذا نجد انعكاسات متنوعة لصورة الله في شركة الإخوة والأخوات. ونحن نبتهج بكل واحد من هؤلاء، ونرفض كل المحاولات التي تريد جعل الناس متشابهين. وبما أن الجميع متساوون في القيمة، فيجب علينا أن نعطيهم الحرية ليكونوا على طبيعتهم. فكلما زادت الأصالة في السِّمات المُتميِّزة لكل إنسان بيننا، أصبحت حياتنا المشتركة أكثر حيوية.
وفي الوقت نفسه، يتعيَّن علينا أن نُميِّز بين الحرية الذاتية السليمة — عندما يكون المرء أمينًا مع ضميره — وبين الفرديَّة الأنانيَّة المُتمَحوِرة حول الذات التي ترى كل شيء من منظورها الخاص وتسعى إلى تحقيق مصلحتها الخاصة. فالأولى مهمة للغاية في المجتمع المسيحي الحيِّ، في حين تعمل الخصلة الثانية على تدميره.
وإليكم أيضًا اقتباسين من كتاب «التلمذة للمسيح» وهو من إصدار دار المحراث للنشر:
نحن نعلم بأن البشرية تعاني من العذاب والانقسامات. وأحد أنواع هذا العذاب هو الوحدانية، التي لا يمكن التغلب عليها إلاَّ عن طريق تجربة الحياة في الكنيسة الحيَّة. ولا يمكن تعريف هذه الكنيسة بأنها جماعة أو منظمة معينة، لكنها موجودة وتحيا مع الناس المتواضعين الذين يبحثون عنها. والواقع أن وجود الكنيسة يُعَدُّ بِحدِّ ذاته أهم حقيقة على وجه الأرض.
«وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.» (أفسس 1: 22–23)
فعندما يتكلم الله في أعماق دهاليز قلوبنا، سوف يتم التغلُّب على انفصالنا الآثم عن الناس وعن الحزن بسبب الوحدانية؛ إذ إننا نشهد حينئذ شركة روحية مع إخواننا وأخواتنا في المسيح.
. . . . . . .
لو كنا أوفياء ليسوع، فسوف نكون أوفياء بعضنا لبعض أيضًا. لأن بعضنا ينتمي إلى بعض. فلو كَرَّس الإنسان نفسه ليسوع، فسوف يتَّحد مع مؤمنين آخرين، وسوف يصبحون مُتَّحدين معًا، لدرجة أنهم يكونون كجسد واحد.