My Account Sign Out
My Account
Adolf Braun  From Military Officer to Soldier of Christ

أدولف براون Adolf Braun

من ضابط عسكري إلى جندي للمسيح

بقلم أدولف بارونAdolf Barron ‎ وهو حفيد أدولف براون وفرد من برودرهوف

11 أبريل. 2025
0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسِل

«...كم أتمنى لو عرف الناس كيف يصنعون سلامًا حقيقيًّا! غير أن هذا مستحيل ما دمنا لا نتواجه بِجُرأةٍ مع الدوافع الحقيقية التي تؤدي إلى الحرب... وما دام العناد والأنانية والملكية الخاصة محميين ومدعومين بالأخلاق المسيحية المغلوطة...» (قول لأدولف براون بتاريخ 11 مارس1947م)

وُلِد جَدِّي أدولف براون (1893 – 1948م) في ألمانيا لأب كان يعمل قسيسًا معمدانيًا. وفي عام 1913م التحق بالخدمة العسكرية وأصبح ضابطًا في فوج المدفعية التابع للحرس البروسي في برلين. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914م، تم استدعاؤه للخدمة الفعلية الكاملة، وكان واحدًا من آلاف الجنود الألمانيين الذين انتابهم شعور «الواجب المقدس للدفاع عن الوطن.» فغادر هو ورفاقه المدن التي كانوا يعيشون فيها، وسط الأناشيد الحماسية، ونثر الزهور، والتلويح بالأعلام من قبل الأهالي والأصدقاء. وصلَّى رجال الكنيسة من أجل النصر وعودة الجنود بسلامة. وكان أدولف يغلي في دمه: «مع الله، في سبيل الملك وأرض الأجداد!»

Adolf Braun

أدولف براون

لقد حارب على كل الجبهات تقريبًا؛ بلجيكا، وروسيا، وبلغاريا، وفرنسا. وعُرف بشجاعته في القفز من الخنادق لإلقاء القنابل اليدوية على العدو، مما أدى إلى إصابته عدة مرات. وحصل أيضًا على وسامي الشجاعة العسكريين: الصليب الحديدي من الدرجة الأولى والثانية (EK-I وEK-II). وفي يوليو 1915م، أصيب بجروح خطيرة للغاية بسبب دخول شظية إلى رأسه خلف الأذن. وأصبح في حالة صحية حرجة لأسابيع، فدخل المستشفى وبقي فيه لمدة خمسة أشهر.

وفي أثناء مكوثه في المستشفى، وجد صُدفةً في مكتبة المستشفى نسخة من الطبعة الأولى لكتاب ايبرهارد آرنولد بعنوان: «Inner Land» (أيْ بمعنى، الأرض الداخلية)، الذي حرَّك شيئًا في قلبه.

أمَّا خطوبته وزواجه لمارثا شولتز ‏Martha Schulz‏ ‏فقد حصلت أثناء وجوده في المستشفى، وكانا يعلمان جيدًا أن أدولف يمكن استدعاؤه للخدمة العسكرية مرة أخرى.

وقد تم استدعاؤه بالفعل في فبراير من عام 1917م، إذ كان الجيش في أمس الحاجة إلى جنود إضافيين — حتى لو كانوا جرحى — فتم تجنيد جَدِّي للخدمة العسكرية للمرة الثانية. وأُرسل مرة أخرى إلى فرنسا في إطار جهود يائسة بذلتها ألمانيا للفوز بحرب كانت قد خسرتها بوضوح آنذاك.

وفي خلال تلك الفترة الأخيرة المُروِّعة من الحرب العالمية الأولى، اصطدم جَدِّي بالحقيقة الهستيرية للحرب برمتها. لأنه كان ذات مرة مع جنود فصيله في غابة على الجبهة الفرنسية، وتسلق شجرة ليراقب الموقف وتوجيه جنوده. وبينما كان ينظر نحو مواقع العدو من خلال الضباب والدخان، رأى مراقبًا فرنسيًا في شجرة أخرى ليست بعيدة. وكان الرَّصاص يَصفِر حول أدولف في المطر البارد، والأغصان تتطاير من شجرته من جراء الطلقات؛ فتذكَّر بيته وأسرته، حيث كانت عروسه وأحباؤه يُصلُّون من أجله بالتأكيد. ثم نظر إلى الفرنسي وتساءل: «هل أحباؤه يُصلُّون من أجله أيضًا؟» فاهتز كيانه فزعًا من هذه الفكرة، وقرر أنه إذا خرج من هذه الحرب حيًّا، فسيحيا حياته بشكل مختلف تمامًا. وكانت الخسائر في هذه المعركة فادحة للغاية؛ فعندما نزل من موقعه على الشجرة رأى أنه الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من كل فصيله من الجنود!

وفي إحدى الليالي، جاءه أمر بمهاجمة سرية من الجنود الفرنسيين المعسكرين في غابة صغيرة. وأمروهم بأن يشنوا عليهم هجومًا مفاجئًا في الليل، وبالتالي لن يكون هناك أيُّ إطلاق نار، بل قتال بالسلاح الأبيض فقط. وعندما انتهى الأمر، نام الرجال المنهكون في مكان حدوث المعركة. أمَّا جَدِّي فاستيقظ مع رفيقه على صوت أنين. وعندما تبعا الصوت، وجدا ضابطًا فرنسيًا شابًا يبكي من الألم. فانحنى أدولف لكي يواسيه ويخفف عنه، ولكن الفرنسي تمكن من الإشارة بشكل واهن إلى حقيبته. وكانت تحتوي على الكتاب المقدس الذي كان ملطخًا بالدماء وأيضًا على صورة لعائلته.

وبينما كان أدولف يقرأ للرجل المحتضر من كتابه المقدس، أحسَّ بأن الوضع كله جنون مُطبِق وضلال شامل. فها هو ذا يحاول مواساة شخص الذي هو بنفسه أمر جنوده بقتله! وفيما كان الشاب الفرنسي يحتضر، أعطى لِجَدِّي كتابه المقدس الملطخ بالدماء وتوسَّل إليه أن يتصل بزوجته ليخبرها بوفاته. ووعده أدولف بأن يفعل ذلك.

وعندما عاد أدولف من الجيش إلى بيته بعد انتهاء الحرب، لم يتمكن من الاستقرار في الروتين المريح للحياة «العادية» كما يسميها الناس. وقد عُرِض عليه ترقية رتبته العسكرية التي كان سيقدِّمها إليه القيصر الألماني بنفسه. ولكنه رفض هذا «التكريم»؛ ولولا صدقه وعلاقات الوساطة الجيدة، لكان تجاهُله لهذا التكريم يكلِّفه على الأرجح حياته!

أمَّا تأثير الحرب على جَدِّي فكان مُدمِّرًا، فقد أمسى إنسانًا مُستاءً ومُحطَّمًا روحيًّا ووجدانيًّا. وكان مُصمِّمًا على العمل لأجل أن لا تندلع أيُّ حربٍ أخرى مرة ثانية. وقد شعرت عروسه مارثا‎ التي تزوجها في زمن الحرب، بالشعور نفسه، لذلك أخذا يسعيان معًا لحياة مختلفة تمامًا عن تلك التي قادتهما وقادت الناس في بلدهما إلى الحرب.

فبدأ أدولف ومارثا مساعدة المحتاجين، للمساهمة في التخفيف عن بعض المعاناة الهائلة التي رَأَيَاها من حولهما — نفوس مُحطَمة، وأجساد مصابة ومُنهَكة، وعائلات مُدمَّرة ومفككة — وكلها ثمار مريرة للحرب. وبدأ أدولف يزور السجناء، ويساعد عائلاتهم بِعُلَبٍ من الطعام والملابس. وكان يتحدث بشجاعة ضد الحرب، وبصراحة مبنية على تجاربه الخاصة، ومُجادِلاً بأن الحديث عن «الموت البطولي في سبيل الوطن» كان كلامًا فارِغًا ومُرائيًا. غير أن كل هذا خلق له الكثير من الأعداء؛ وبدأ أصدقاؤه يقلقون على سلامته بل حتى على حياته.

وبعد انتهاء الحرب، كان أدولف مُصَمِّمًا على التواصل مع ايبرهارد، ونشأت بينهما مراسلات تتميز بالحيوية والحماسة. ثم إنَّ ايبرهارد جاء إلى بلدتهما وعقد اجتماعات ومحاضرات فيها، وزار أسرة أدولف براون.

وزار أدولف بدوره الجماعة الراديكالية الصغيرة التي أسسها ايبرهارد وزوجته إيمي في قرية زانرز. فكانت هذه الجماعة تسعى إلى تطبيق تعاليم يسوع المسيح كما وردت في الموعظة على الجبل في إنجيل متى الإصحاح 5-7، التي وجدت أيضًا إلهامًا من حياة المسيحيون الأوائل في زمن المسيح – حيث كانت الكنيسة الأولى جماعة ليس لأفرادها ملكيات خاصة ولم يوجد بينهم غني وفقير، حيث يتولى الجميع رعاية احتياجات كل فرد منهم. فكانت هذه الحياة هي الجواب الشافي الذي كانا يبحثان عنه. لذلك أصبح جَدِّي وجَدَّتي وابنتاهما الصغيرتان أول أسرة تنضم إلى هذا المجتمع الصغير بتاريخ 16 أكتوبر من عام 1924م. فكم كانت فرحتهم كبيرة إذ كرَّسوا حياتهم للمسيح ولرسالته!

Adolf Braun with Eberhard Arnold and other brothers and sisters in community

أدولف بروان مع ايبرهارد آرنولد وبعض الإخوة والأخوات في مجتمع برودرهوف المسيحي

وعلى مدى السنوات التي قضاها جَدِّي في برودرهوف، أحب الأطفال وفرح بهم كثيرًا، ودافع بقوة عن روح البراءة والطفولة وعن توقير الحياة وتقديسها. إذ إنَّ فقدان هذا الروح كان أحد الأسباب الرئيسية للحرب. فكان يحب تعليمهم أناشيد بسيطة ذات روحية بريئة وطفولية. وانضمت ابنتاه إلى برودرهوف عندما كبرتا؛ ‎وكلتاهما تباعًا أحبت حقًّا الأطفال كثيرًا — وأستطيع أنا شخصيًّا أن أشهد لذلك لأن إحداهن هي والدتي — وقامت كلٌّ منهما بتربية أسرتها بهذا الروح.

وفي بداية الحرب العالمية الثانية، انتقلت أسرة أدولف ومارثا مع مجتمع برودرهوف إلى باراغواي، بأمريكا الجنوبية. وفي عام 1948م، وبينما كانت أسرة جَدِّي في طريقها لزيارة مجتمع برودرهوف آخر في إنجلترا، فإذا بجَدِّي أدولف يمرض فجأة. فرجعوا إلى مجتمعهم المسيحي في باراغواي، حيث تم تشخيص إصابته بالسرطان. وتوفي بعد أقل من شهرين.

وللأسف، لم يتسنَّ لي رؤية جَدِّي والتعرُّف عليه مطلقًا، لأنه توفي قبل ثماني أشهر من ولادتي. غير أنني رأيتُ جدتي مارثا بالتأكيد، وتعرَّفت عليها وأحببتها، التي أصبحت أرملة لمدة 29 عامًا. وكانت مترددة في أن تحكي لنا — نحن أحفادها — عن الحياة السابقة المؤلمة لِجَدِّي، ولكنها كانت تحكي لبنتيها عنه، اللتين كانتا بدورهما تحكيان لأولادهما عنه كلما سنحت الفرصة. وقد أصبحت حياة جَدِّي جزءًا راسخًا من هويتي المسيحية وإيماني المسيحي، وأنا مُمتنٌ جدًا لذلك.

0 تعليقات