Subtotal: $
Checkoutتحيط بنا اليوم ومن كل جانب تيارات متلاطمة لقوى التسلط والشر والدمار في العالم، كما تتلاطم أيضا الآراء والأفكار والمطامع التي تريد النيل من مجتمعنا وبلادنا. وتكثر الاحاديث التي أصبحت تشغل معظم وقت الفرد في المجتمع تحليلا للأحداث وتوقعا لما سيحدث وتشبثا بهذا الحل أو ذاك مما يعرضه الوسطاء والمحللون وما يريده صانعوا القرار في العالم. فلا يكاد يلتقي اثنان في أي مكان إلا وكان حديثهم هو هذا الموضوع. فقد هُدِّد فلان. وزمجر فلان متوعدا. وطالب فلان بكذا. ووصل فلان. وغادر آخر.
أما الفساد والطائفية والمحسوبية فقد نخرت جسد العراقيين. وفي ظل هذه المعطيات لا نصل بتاتا إلى ما يشفي الغليل ويطمئِن الحيران. والسؤال هو بين كل هذه الأمواج المتزاحمة: أين دورك الفعلي أيها المؤمن؟؟ بل وماذا تستطيع أن تفعل؟؟ وكيف تتصرف في هذه الظروف القاسية الصعبة؟؟ حين يواجه هكذا تيارات جارفة يجدها أقوى بكثير من قدراته العقلية والجسدية وطاقته وإمكاناته المتاحة على الساحة للتحكم بمجرى الأمور لما فيه الخير والسلام والسعادة للمجتمع. إذ يسيطر الشر على عقول البشر بسبب ابتعادهم عن الله وتجاهلهم الإرادة الربانية ومحاولة تصرف الإنسان بعنجهية وكبرياء فارغ وتباهي بما توصل إليه العقل البشري من قدرات وطاقات وإمكانيات يستخدمها لمصالح دنيوية زائلة لخير البشرية.
وأصبح الناس ينهشون بأسنانهم وينادونا سلام ابتداء بقايين الذي قتل أخاه هابيل مرورا بكل متجبّر عات عبر التاريخ وصولا إلى يومنا هذا الذي فيه تحيط بنا ومن كل جانب تيارات وأحزاب وكيانات وكتل. وفي ظل هذه التسميات تتجذر عصابات ومليشيات لقتل الأبرياء وتشريدهم للاستيلاء على ممتلكاتهم زورا وعنوة، طبعا بإسناد مباشر من هذه الشلّة المتسلطة الطائفية. وقد وصل الدمار بأقسى ما عرفه التاريخ البشري عبر عصوره المتلاحقة وحضاراته المتتابعة.
وإلقاء نظرة تأمل إلى العالم اليوم توضح بما لا يقبل الشك أن الإنسان حين يتجاهل الله ويعمل بمنظور دنيوي بشري أناني فإنه يتصرف ومع الأسف بعيدا عن روح الإنسانية المحقة، حيث تحكمه شريعة الغاب فالقوي يأكل الضعيف، والمتنفذ يحاول أن يمرر ما يريد على من لا حول له ولا قوة في مفهوم البشر، والمتسلط يتفنن في إخضاع المستضعف، ومن يمتلك التكنولوجيا والتطور يوظفها لإرهاب وتمزيق الآخرين لا لخير الإنسانية وفائدة سكان المعمورة.
لذلك أقول أين أصحاب الحضارات العظيمة في التاريخ؟؟ وأين ملوك أشور وبابل؟؟ وأين أباطرة الرومان؟؟ وأين قادة الحروب ومروجيها؟؟ بل وأين تجار تلك الحروب وشاعلي فتيلها؟؟ وأين من صال وجال في الأرض سطوا وإرهابا؟؟ ها قد انتهى بهم الأمر جميعا إلى تراب كلهم عادوا إلى تراب تلاحقهم أفعالهم الشنيعة الشريرة وما خلفوه من دمار وقتل وتشريد ومآسي. فلم يأخذوا معهم إلا أيادٍ ملطخة بدم الأبرياء من إخوانهم في العالم الذين خلقهم الله كما خلق أولئك.
الله جل جلاله يلعن قايين: « مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ. مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ.» وأخآب ملك إسرائيل الذي تزوج إيزابَل الوثنية وانقاد وراءها في عبادة الأوثان واضطهد النبي إيليا وصنع الشر في عيني الرب ليموت شر ميتة وتلحس الكلاب دماءه. وسنحاريب ملك أشور ( 682 - 704 ق. م) الذي أخضع الكثير من بقاع العالم واجتاح فلسطين وحاصر أورشليم متكبرا متعجرفا، يعود خائبا بعد أن ضرب الله جيشه ومات منهم (185) ألفا في ليلة واحدة. ثم يُقتل على يد أبناءه في نينوى.
كما أمر الرب نبوخذنصر هو الآخر ملك بابل العظيم، وهو ملك الملوك الذي تجبّر وتكبّر وتعظّم على رب الجنود، وغزا وسبى كثيرا من شعوب العالم ليصاب بالجنون ويرعى كالحيوانات في الحقول ويأكل العشب كالثيران. يهوذا الإسخريوطي هو الآخر خان سيده الرب يسوع المسيح له كل المجد. إذ تملّكه الشر وسيطر إبليس على أفكاره فانقلب شره على ذاته وخنق نفسه.
ويبقى الله وحده خالق الكل وله القدرة والعظمة وهو الطريق والحق والحياة للبشر، ويبقى المؤمن بالرب الذي لا يسلك في مشورة الأشرار بل يعيش في حياة إيمانية بالمحبة والسلام والتواضع والتآخي ورضا الله. كما أرادت الوصايا: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. . . .تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.» والصبر يؤهلنا للغلبة على الضيقات، وهو يسمو فوق كل المعاناة، ويمنحنا الفرح الروحي بتمسكنا بالله رغم كل الظروف المحيطة بنا، صارخين بكل يقين: إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟
فالضيقات التي نمر بها هي اختبار لعمق محبتنا لربنا ومدى تمسكنا به، وهي تقربنا لله. ونستنجد فيها بإيمان: «حبالُ الهاويةِ زنَّرَتني، وأشراكُ الموتِ أمامي، فدَعوتُ الرّبَّ في ضيقي، وإليهِ صرَختُ. مِنْ هيكَلِهِ سمِعَ صوتي وبلَغَ صُراخي أذُنَيهِ.» فهكذا يسلك المؤمنون في الضيقات والتجارب والمآسي: «فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ.» فلا تهاب أجناد الشر في العالم واعمل رغم كل الظروف المحيطة بك، وأن تمجد اسم الرب.
وأنت عزيزي القارئ تذكر بروح الصلاة تستطيع أن تفعل ما لا تستطيع فعله كل آلات الحروب وعنجهية التكنولوجيا الحديثة. خذ داوُد مثلا لك: شاب صغير راعي أغنام، لم يكن باستطاعته أن يحمل عدة الحرب التقليدية المعروفة في زمانه، ولم يتدرب على فنون القتال ووسائله ليواجه المبارز العملاق جُليات الجبار، رجل الحرب. غير أن داوُد ترك الخوذة والدرع والسيف الثقيل جانبا، بل تمنطق بالإيمان بالله وقوته وعونه، ليغلب ذلك الجبار العاتي ويهزم جيشه الجرار.
لنرفع صلواتنا أيها الأحبة المباركون مقرونة بدموع سخية وقلوب نادبة منكسرة منسحقة بتذرع إلى الخالق ومن أجل سلام بلدنا العراق الغالي ومجتمعنا وكنيستنا وإخوتنا أبناء هذا الوطن ومن أجل أمن العالم أجمع واستقراره وازدهاره. نصلي إلى الرب من أجل القلوب المتحجرة كي تلين وضمائر صانعي القرار في العراق والعالم والمتسلطين على مقدرات البشرية أن تستيقظ وتستنير بنور المحبة الإلهي، لتمتلئ قلوبهم بالحق والعدل والرحمة والمحبة والحكمة، فيعملوا من أجل السلام ويبتعدوا عن إثارة الحروب وويلاتها ويتجنبوا إشاعة الرعب في نفوس الأبرياء والدمار والخراب. نصلي إلى من غادروا من بطش الإرهاب والاقتتال الطائفي ومن حصدتهما آلة الحرب المدمرة وأعمال الشر لكي يرحمهم الرب. فصلاتنا قوة أعظم من كل أساطيل الحرب والدمار، وهي تعزية عظيمة لنا جميعا في محنتنا هذه. ولنردد بيقين: إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ سلام لك أيها المؤمن، لأن إلهك معينك. آمين. الرب يبارك الجميع.
essam salama
أشكركم، الرب يبارك الخدمة.