Subtotal: $
Checkoutملكوت الله – ماذا تعنيان هاتان الكلمتان؟ إنَّ ملكوت (أو مملكة) هو نظام سياسي؛ إنه بناء منظم ومرتب من العمل والعلاقات العامة لشعب ما. وهو مجتمع وطني متماسك بالعدالة والتضامن. وهذا هو نوع العالم الذي كان في بال النبي إشَعيا عندما تنبأ عن ملكوت الله، وقال:
لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا مُشِيرًا إِلَهًا قَدِيرًا أَبًا أَبَدِيًّا رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا. (إشَعيا 9: 6–7)
فلا يوجد عالم كهذا إلاَّ حيث يعيش الناس في نظام دائم وملتزم من العدالة في جميع علاقاتهم، فقد أنعم الله علينا بنظام جديد يتلاءم مع طبيعتنا البشرية.
إنَّ الشيء الفريد الذي يُميِّز الطريق الذي بيَّنه لنا يسوع المسيح هو أن السُّلطة فيه بيد الله وحده، ولا أحد غيره له الحقُّ في أن يقول شيئًا. لذا، فالكلام عن حكم الله المَلَكِيِّ صحيح جدًا. لأن الله وحده له مقاليد الحُكم. فهو وحده الملك. فهذا هو ملكوت الله.
ونحن نعلم طبعًا أن هذا الملكوت لم يجِئ بعد إلى هذه الأرض. ولكن لنعلم أيضًا أن الله ليس الوحيد الذي لديه قوة عظيمة في هذه الدنيا؛ فلدى الحكومات القومية قوة عظيمة أيضًا؛ ولدى الكذب والنجاسة الجنسيَّة (العلاقات غير الشريفة) قوة عظيمة كذلك. ثم إنَّ جميع القوى التي تعارض الله كُليًّا تفرض نفسها بالإكراه. ولم يتحقق لحد الآن ملكوت الله في أيامنا هذه. لأنه لو كان قد تحقق، لما وجدنا أيَّ شيء آخر أعلى من شأنِه.
ولكي يأتي ملكوت الله، فإنَّ ما مطلوب هو تدخُّل الله الشخصي من خلال يسوع المسيح وذلك بتجديد العالم، أيْ بالولادة الروحية الجديدة لكوكب الأرض. ويقول الرسول بطرس إنَّ النار ستذيب الأرض، وبعدها ستُجدَد الأرض كُليًّا. (راجع 2 بطرس 3: 12–13) كما يقول الرسول يوحنا الإنجيلي إنه في العالم الجديد لسيادة ومَلَكِيَّة الله، ستتبدَّل الأرض كُليًّا بحيث لا تكون هناك حاجة بعدُ إلى الشمس، لأنه لن يكونَ فيها شيء سوى النور – نور مجد الله – والحَمَل مصباحها. (راجع سفر الرؤيا 21: 23)
*******
أنا أؤمن بأن وَهَجًا قد خرج فعلاً من يسوع المسيح، بحيث قبله الناس ببالغ الامتنان على نعمة خلاصهم الشخصي وشفائهم؛ ولكنهم اكتفوا بعدئذ وتوقفوا عند هذا الحد. وفَتَرَ اشتياقهم، وكانوا سعداء بأنهم في طريق الخلاص. في حين أن ذلك كان في الحقيقة مجرد بداية. ويقول يسوع إننا يجب أن نُولَد من جديد لنصبح مشمولين في ملكوت الله، ويوضِّح لنا أيضًا معنى ملكوت الله.
نرى هنا كيف يفتر الحماس عند عدد كبير من المسيحيين. لأن أكثر ما يشغل الناس باستمرار هو سعيهم إلى مجرد تثبيت نعمة الخلاص في نفوسهم التي حصلوا عليها سَلَفًا بإيمانهم بالمسيح. فإنهم يجب أن يقولوا بدلاً من ذلك: «لقد وهبني الله تجربة الإيمان هذه بصورة شخصية ليساعدني على الحصول على وضوح عن كامل رسالة المسيح وعن كامل نظام ملكوت الله، ذلك الوضوح الذي من شأنه أن يبارك حياتي ويجعلها جزءًا من الحياة المُكرَّسة لملكوته.»
إذا كان ملكوت الله موجودًا في زماننا الحاضر إضافة إلى المستقبل، فمن المفروض أن يعيش المؤمنون في توافق مع ملكوت الله المستقبلي هنا على الأرض وفي هذه الساعة بالذات. عندئذ ستكون حياتهم متوافقة أيضًا مع الحياة التاريخية ليسوع المسيح. فإنَّ يسوع المسيح هو هو، أمسًا واليوم وإلى الأبد، ويجب أن نصير في وحدة تامة مع حياته ومستقبله الآتي، وذلك بالعيش حاليًّا بتوافق مع ملكوت الله، ومع الطريق الذي سيتجلى في المستقبل.
*******
إنَّ الذين يريدون فصل ملكوت الله وتحديد مكان له بعيدًا عن تاريخ البشرية جمعاء – كما لو كان قد تمَّ إعداد ملكوت الله لمجرد حفنة من المهتدين – فيعوزهم بالتأكيد الحصول على رؤية جديدة وأفق أوسع بالاستفادة من اللهجة القوية التي يتكلم بها الله في التاريخ في هذه الأيام. ثم إنَّ استفحال الشدائد في الأزمنة يُحتِّم على جميع المؤمنين بالحقِّ أن يبحثوا في الكتب المقدسة لمعرفة الشروط اللازمة لملكوت الله، وأيضًا التأثير البالغ الذي سيحدثه. ونحن في أمس الحاجة لأن نَتشرَّب جيدًا بالحقائق المذكورة في الكتاب المقدس عن ملكوت الله وأن نستوعبها، لكي يتسنى لنا مراقبة علامات الأزمنة، ولكي يجدنا يسوع المسيح أمناء أيضًا عندما يعود. فها هو يسوع المسيح يقول:
إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْوٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. وَفِي الصَّبَاحِ: الْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ. يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ! (متى 16: 2–3)
*******
بالنسبة إلى النظام الاقتصادي الإلهي – أي خطة الله لملكوته عن كيفية التعامل مع الأموال والممتلكات – من الضروري جدًا أن نعطيه تعبيرًا عمليًّا موضَّحًا جيدًا من خلال ممتلكات مجتمع الكنيسة. (راجع أفسس 1: 10؛ 3: 9–11) عندئذ لابد حتى للعُميان أن يدركوا أن هذا المكان يمكنهم فيه أن يجدوا شيئًا من الحب والفرح الذي سيجلبه ملكوت الله للبشرية جمعاء في نهاية الأزمنة.
وللذين يسألوننا: «أهذا الأسلوب هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن للناس اختياره لتنزيل ملكوت الله؟» نقول لهم: إنه ليس أسلوبًا نختاره نحن بأنفسنا، بل إنه الأسلوب الذي ينزل إلينا من الله. لأن فكره الاقتصادي – أي خطته المالية للجنس البشري – هو الأسمى والأسلوب الوحيد الجدير بتطبيقه. أمَّا نحن البشر فليس لدينا أيُّ أسلوب يؤدي إلى ملكوت البِرِّ والصلاح. فما لم يهبنا الله ذاته، فليس لنا أيُّ سبيل نمضي فيه.
أما الله فيأتينا مع كنيسته، التي تنشأ من فيض الروح القدس. فتأتينا الكنيسة، تلك العروس العذراء، التي هي أمٌّ لنا أجمعين، فيتبدَّل كل ما في الحياة بما في ذلك البنية الاقتصادية، مثلما حصل في الكنيسة الرسولية الأولى، حيث يشهد لذلك الإنجيل:
ولَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ، وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ. وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى، كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. (أعمال الرسل 2: 1–4)
وأيضا هنا:
وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ. إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ. وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ، وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ. إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ، بَاعَهُ وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ. (أعمال 4: 32–37)
*******
يصبح ملكوت الله منظورًا أينما يكون يسوع المسيح. ولهذا السبب تبدأ رسالة يوحنا الأولى في الإنجيل بهذه الشهادة:
اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. (1 يوحنا 1: 1–3)
فأينما يعلن الناس ملكوت الله – أيْ بمعنى سيادة المسيح – تتحرك الحياة وتبدأ الأمور بالحدوث فتشفى حياة الناس روحيًّا وجسديًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا. ولهذا السبب وبَّخ يسوع المسيح يوحنا المعمدان عندما سأل فيما إذا كان يسوع هو المسيح المُنتظر، وقال المسيح له: لماذا تسأل؟ اُنظر إلى ما يحدث، واستمع إلى ما يقال، واقبله. فهذا ما يحدث هنا: العُميُ يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يَبرَؤون، والصمُّ يسمعون، والموتى يقومون. (راجع متى 11: 5)
وما يعنيه يسوع أنك لو تؤمن فقط بما يحدث فعليًّا على أرض الواقع، فسوف ينكشف لك المسيح، وسوف تحصل على أجوبة عن جميع تساؤلاتك بشأن ملكوت الله. فهذا ما يعنيه الإيمان. ولما كان يوحنا المعمدان غير قادر بعدُ على أن يستوعب هذا الإيمان استيعابًا كاملاً، قال يسوع لتلاميذه: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ وَلَكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ.» (متى 11: 11) فإنَّ الأصغر في ملكوت الله، والأكثر تواضعًا في الكنيسة، يفهم ما يحدث بالإيمان...
لقد خرج رسل المسيح إلى الناس ليقولوا لهم: بدأ كلام الأنبياء يتحقق الآن. وها هو يأتي الآن – وبمقدوركم رؤية حدوثه! وجزء من الذي كان يحدث في أورشليم هو أن الحياة المشتركة للكنيسة أخذت تتأسس. وكان ملكوت الله يقترب – إذ إنَّ الشفاء الذي كان الله يهبه لكل من يؤمن، يشهد لذلك.
وعندما دُوِّنَتْ قصة الرسل سُمِّيَتْ «سِفْر أعمال الرسل» لأنها وصفٌ لما قام به الرسل وما جرى على أيديهم. وهو بيانٌ عن ذات القِوى العجائبية، وعن ذات الأعمال والأحداث التي جرت في أثناء حياة يسوع المسيح. فنرى هنا أيضًا أن الأمر الحاسم كان إعلان ملكوت الله؛ فقد جرت العديد من الآيات والأعاجيب، بسبب اقتراب ملكوت الله.
هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»
nana
"الّذي كانَ مِنَ البَدءِ، الّذي سَمِعناهُ ورَأيناهُ بِعُيونِنا، الّذي تأَمَّلناهُ ولَمَسَتْهُ أيدينا مِنْ كلِمَةِ الحياةِ، والحياةُ تَجَلَّتْ فَرَأيْناها والآنَ نَشهَدُ لَها ونُبَشِّرُكُم بالحياةِ الأبَدِيَّةِ الّتي كانَت عِندَ الآبِ وتجَلَّت لَنا، الّذي رَأيناهُ وسَمِعناهُ نُبَشِّرُكُم بِه لتَكونوا أنتُم أيضًا شُركاءَنا، كما نَحنُ شُرَكاءُ الآبِ وابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ..."