Subtotal: $
Checkoutنحن نؤمن بذلك الإيمان المسيحي الذي يتحرك ويفعل. ويُعتبر العمل اليومي مع الآخرين أفضل وأسرع وسيلة لاكتشاف حقيقة استعدادنا للعيش في حياة مشتركة قائمة على أساس المحبة الحقيقية والإيمان. لأن العمل اختبار حاسم يوضّح مدى أصالة إيماننا.
إنّ الإيمان الذي يجري تطبيقه عمليّا في الحياة المشتركة هو السرّ الذي يجمع مسألتي الإيمان والعمل في علاقة وثيقة. (راجع كولوسي 3: 23–24) غير أن معظم الناس يخفقون في إيجاد علاقة بين هاتين المسألتين. لأننا نرى أن هاتين المسألتين للحياة منفصلتان حتى عند أولئك الذين يشهدون باختباراتهم المسيحية الحقيقية؛ فنرى هاتين المسألتين تذهبان في اتجاهين متعاكسين.
قد يعيش الناس حياتهم الروحية في أقدس الأمور ويحاولون التمسك بها، ولكننا نرى من ناحية أخرى أن الجوانب العملية لحياتهم على هذه الأرض تبتعد أكثر وأكثر عن الروح القدس. ونحن معرضون أيضا للخطر نفسه؛ ولا نختلف قيد شعرة عن بقية الناس. ولكن الله قد أنعم الله علينا في حياتنا المشتركة لكنيستنا بأن نرى لمحة عن السرّ العجيب الذي يربط بين هاتين المسألتين للحياة بأسلوب لم نعرفه سابقا على الإطلاق. فإنّ الارتباط بينهما وثيق، وقائم على الإيمان الرسولي كالآتي: نؤمن بخالق الخليقة الأولية بقدر ما نؤمن بذاك الذي يُخلِّصنا في سبيل خليقته الجديدة، كما نؤمن بالروح القدس الذي ينير لنا الدرب لهذه الخليقة الجديدة.
يجب على الصلاة أن لا تحلّ أبدا محلّ العمل في ملكوت الله وفي كنيسته. فإننا نصلّي لأجل أن تتمّ مشيئة الله على الأرض، ولأجل أن تظهر طبيعة الله بالأفعال، ولأجل أن تُحقِّق سيادته الوحدة والعدالة والمحبة. فلو كنا جادّين في طلبنا هذا، أصبحت حياتنا تتضمن عملا شاقا. فالإيمان بغير الأعمال يكون ميّتا. (راجع يعقوب 2: 17) والصلاة بغير أعمال رياء. فما لم نعِشْ وفقا لملكوت الله، فإننا نجعل من الصلاة الربانية أكذوبة. فينبغي أن تضعنا الصلاة الربانية ضمن إطار عمليّ بحيث يتجسّد فيه كل ما نصلّي من أجله على أرض الواقع، ليصير جزءا من التاريخ. أما جماعة برودرهوف بحياتها المشتركة فهي بالنسبة إلينا المكان الذي عينه لنا الله لنقدّم كل طاقاتنا العملية من أجل أن يتقدّس اسمه، وتكون مشيئته، ويأتي ملكوته. فما لم تُؤدِّ المحبة بين الإخوة والأخوات إلى عمل وحركة، سوف تذبل شجرة حياتنا، وتصبح تحت دينونة الله.
يفرح الناس أكبر فرحة لو أُتيح لهم تسخير قواهم في إنتاجية سليمة ذات مغزى، ومن ثم رؤية النتائج الإيجابية لعملهم. وإذا كانوا فرحين بعملهم، فسوف يجدون بالتأكيد الوظيفة التي تتلاءم مع كفاءاتهم، أو الوظيفة التي يتمتعون بها لكونها تتآلف معهم بشكل طبيعي. وهذه الفرص العملية متاحة في الحياة المشتركة.
وعادة ما يجادلنا الناس بهذا الموضوع وينظرون إلى حياتنا بأنها غير واقعية، وبأنها بمثابة يوتوبيا Utopia (أي بمعنى مجتمع مثالي غير واقعي)، وذلك لأنهم يقولون إنه لا يمكن لأحد أن يؤدي أعمالا وضيعة ما لم يكن مُكرَها عليها؛ ولكن هذا المنطق يستند على افتراض خاطئ لبشرية وقتنا الحاضر الآخذة بالانحطاط الخُلُقي. فنرى معظم الناس في هذه الأيام يفتقرون إلى روحية المحبة التي تضفي البهجة والفرح على أوضع الوظائف العملية. ونحن نعلم أن الفرق بين عمل مُحترم وعمل مُحتقر يتبخر عندما تقتضي الحاجة مِنّا خدمة شخص نحبه أو رعايته. إذ إنّ المحبة تزيل هذا الفرق، وتجعل من أيّ عمل نقوم به للشخص الذي نحبه عملا مُشرِّفا.
ومن الأعراض غير السليمة لحضارتنا هي أن كثيرين يعتبرون العمل البدني نوعا أدنى من العمل، ولا يستمتع به أحد. غير أن الله لم يخلقنا نحن البشر في الواقع لنهتم بالشؤون الروحية أو الفكرية فقط. فلدى الأشخاص الأصحاء رغبة قوية في القيام بأي عمل بدني بسيط في الأرض؛ فتراهم يستمتعون بالشمس والنور، والجبال والغابات، والنباتات والحيوانات، والمزارع والحقول. إذ إنّ الاستمتاع بالعمل البدني أمر طبيعي ويخلق فرحا بالحياة، وبالله، وبخليقته.
يجب أن نكون مستعدين لقضاء عدة ساعات كل يوم في العمل البدني (إذا سمحت صحتنا بذلك). وسوف يكتشف المثقفون على وجه الخصوص تأثيره النافع. لأن العمل البدني اليومي يساعد على إيقاد النور الصغير المتميز في داخل كل إنسان، وكذلك تأجيج مواهبه أو مواهبها الخاصة. وتعطينا هذه الشرارة الموجودة في كل إنسان، التي ربما تكون مخفية، لمحة عن المواهب المتعددة – فيمكن أن تكون في مجال المعرفة، أو الموسيقى، أو إتقان التعبير والكتابة، أو الإبداع في فنّ النجارة، أو النحت، أو الرسم. أو ربما يكون أبسط وأحسن شخص من الجميع، هو ذلك الذي يحبّ عالم الطبيعة، وربما تكون لديه مواهب في مجال عمل المزرعة وتربية الحيوانات. وعلاوة على ذلك، فإنّ ما يفعله الناس في أوقات فراغهم يُظهر الشيء الذي يبتهجون به على الأكثر. لذلك، يمكننا رؤية أن شكل حياة الفرد يتوقف على مدى استعداده لدعم قضية المحبة طوعيّا. فكلما زاد عطاءه تغيّر شكل حياته. أما الكسل، والتقاعس، والضجر، والسأم، فهي من أعراض الموت. ولكن، في المكان الذي تَملؤﮦ الحياة، يكون لدى الناس عقول صاحية ومبدعة، ونراهم على استعداد لخدمة ومساعدة بعضهم لبعض.
وهذا ليس مجرد خيال حول مستقبل بعيد المنال؛ بل واقع راهن آخذ بالنمو في مجتمع الحياة المشتركة.
هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»
وإليكم نبذة عن الكاتب ايبرهارد آرنولد