Subtotal: $
Checkoutالمعمودية
تأخذنا المعمودية إلى موت يسوع، حتى يتسنى لنا تذوق القيامة معه - والتي هي المحور المركزي للخلاص. وإذا أردنا الخلاص، وَجَبَ إذن على طبيعتنا البشرية أن تجتاز بالموت، لكي نحيا حقا بفضل القيامة، بحيث يتم تغيير الطبيعة القديمة إلى خليقة جديدة. فهذا هو الإيمان الذي نشهد عليه في المعمودية، ذلك الإيمان الذي يؤمن بأن الروح القدس سيحلّ على الشخص الذي يجري تعميده وستطغي محبة الله على حياته وتسودها. (أعمال الرسل 2: 38)
نريد الإعلان بوضوح أنّ تقييد الشخص للإدلاء بشهادة إيمانه بصيغة محددة من الكلمات هو ضد نهج حياتنا تماما. فلتغرب عنا هذه الأمور! ولكوننا نؤمن حقا بالله وبالمسيح وبروحه القدوس، فلا يمكننا رؤية أي داعٍ لإجبار الناس للإعراب عن هذا الإيمان بصيغة واحدة ليس غيرُ. فإنَّ ما ندليه من شهادة عن الإيمان المسيحي يفوقنا نحن البشر بأضعاف المرات بحيث لا نحتاج إلى إقناع الآخرين ليعربوا عن أيمانهم بالطريقة نفسها. وبالحقيقة والواقع فإنَّ الذي لا يعترف بالله لا يغيّر الله (أي لا يغيّر شيئا من حقيقة الله.)
نؤمن بالله أبينا السماوي لأننا تلقينا روحه الطفولية، (أي الروح القدس البريء كبراءة الأطفال). ونعترف به كخالق السموات والأرض. ولذلك لا يمكننا أن نعبد أيّاً من مخلوقاته بدلا عنه، وأينما كانوا سواء في عالم الأرواح أو في الطبيعة.
فقد وجدناه في يسوع المسيح، ملك الملكوت الآتي، المسيح الذي صار ربّاً لنا وسيداً علينا، والذي نطيع كلامه ونعيش بحسب روحه القدوس. ونعلم أنّ هذا المسيح هو يسوع نفسه الذي ذكره التاريخ والذي ولد من مريم العذراء وأُعدم من قبل الدولة الرومانية على يد الحاكم بِلاطُس البُنطي. ونحن نعلم أنّ خدمته الكهنوتية قد هبطت ووصلت إلى الجحيم وإلى قبور الموتى. ونعلم أنه بَشَّرَ بإنجيله هناك ومستمر في تبشيره مثلما هو مستمر الآن في تبشيره بالإنجيل الناس الأحياء على الأرض.
ونعلم أنّ يسوع المسيح الذي وُضِع في القبر قد قام حقا من بين الأموات، وأخذ مكانه في العرش السماوي في عظمة وجلال ملكوت الله. ونتوقع عودته من هناك ليدين البشرية جمعاء في ذلك اليوم عندما ينفتح كتاب الحياة، وعندما ستحلّ الدينونة الأخيرة على كل شيء يمجد البشر، لكي يحكم الله وحده في ملكوته.
ونؤمن بالروح القدس، الذي هو قدوس حقا لأنه ليس ملطخا بالشرّ. فهو ليس لديه أية شركة مع الشرّ ولكنه يوحّدنا في وحدة الكنيسة المقدسة الجامعة الواحدة. ولا نؤمن بمعتقد "وحدة الوجودPantheism " الذي يجمع الخير والشر معا.
وبفضل الروح القدس نؤمن بوحدة الكنيسة، حيث الغُفران فيها حيّ، وحيث يُنظر إلى الخطيئة كخطيئة وحيث تُزال الخطايا وتُمْحَى بالروح القدس الجبار الذي يحكم الكنيسة المقدسة. ونؤمن بالحياة الأبدية، أي بالحياة الباقية التي ظهرت في هذه المحبة للمسيح يسوع، وفي هذه الكنيسة المقدسة للروح القدس، وفي هذه المغفرة للذنوب.
لقد أعطانا يسوع عملين رمزيين لهما أهمية خاصة. فالأول هو الأكل والشرب المشترك (إشارة إلى العشاء الرباني)؛ والثاني هو الاغتسال بسكب الماء على الشخص أو تغميسه بالماء (إشارة إلى المعمودية). فالأول هو غذاء والثاني هو تطهير. ويقترن عمل التطهير أو التنقية مع ما يرمز له الموت، أي الدفن في الأرض والقيامة ثانية. ولذلك يحتوي رمز المعمودية على صورتين: الأولى، سكب الماء على الشخص، بمعنى التطهير والتنقية؛ والثانية، تغميسه بالماء، والذي يعنى الموت والدفن والقيامة.
يسوع يعطي حياة جديدة
المسيح هو الحياة الجديدة. فهو يلتقي بنا عند كل منعطف من حياتنا. فإذا سلّمنا حياتنا للمسيح ليؤثّر فيها، فسيبيّن لنا أنّ كل شيء جيد كنا نعتزم القيام به أو فعلناه سابقا هو أسود وشرير، وخبيث وظالم، بل هو على نقيض النقاء الحقيقي الوحيد، والمحبة الحقيقية الوحيدة والصلاح الوحيد، أيْ المسيح نفسه. فهو يقودنا إلى تلك التوبة التي ينقلب فيها تفكيرنا كله رأسا على عقب ولا يعود بإمكاننا الادعاء بعدُ بأن الأسود أبيض أو القذر نظيف. ولكن يسوع هو أكبر من يوحنا المعمدان. لأن صليبه يفتح لنا جوهر قلب الله. وموته قد كشف لنا عن محبة الله الحاضنة للجميع، التي قدمت لنا الغُفران والمصالحة الصافية والصادقة مع الله. وبإتحادنا مع ذاك المصلوب، فإننا نجدد باستمرار قطيعتنا مع كل ما مضى، ومع كل ما كنا عليه، ومع كل ما فعلناه سابقا. لأن المسيح يبيّن لنا عدم استحقاقنا ويفضح الحالة المخزية لانعدام المحبة عندنا التي كانت قد كبّلت حياتنا حتى هذه اللحظة. فهو يجعل الضباب والغيوم تنقشع لنتمكن في ومضة عين من رؤية الهوّة التي بين طبيعتنا الفاسدة وقلب الله القدوس. ولكننا نراه على الفور يسدّ تلك الفجوة هو بنفسه بالقوة غير المحدودة لذراعيه الممدودتين وبيديه المثقوبتين. فهو يوحِّد قلوبنا مع قلب الله القدوس ويجعلها متآلفة من خلال المغفرة التي يقدمها لنا مجانا.
الولادة الجديدة والملكوت الآتي
كلنا نحب الفصل الثالث من إنجيل يوحنا، لكننا نميل إلى نسيان أنّ سياق هذه الولادة الشخصية الجديدة هو ملكوت الله - فهي تتجاوز حدود الفرد. فمجيء ملكوت الله هو الموضوع الأكثر أهمية في الكتاب المقدس كله ونلاحظه يمرّ من خلال طيّاته، ونحن بحاجة إلى أن نمتلئ من وعد المستقبل هذا ونُغْمَر بفرحه. (أشعيا 11: 1-10) ويريد الروح القدس أن يقوينا ويملأنا ويقودنا إلى الملكوت الآتي. فهو يُحيِي فينا كلام يسوع عن المستقبل ويساعدنا على أن نصبح الآن نموذجا حيا أو صورة حية أو شاهدا حيا ومنظورا لملكوت الله القادم.
نحن ننتسب إلى ملك الملكوت السماوي، لذلك يجب على حياتنا أن تكون مشابهة للحياة في ملكوته. والسؤال الذي يطرح نفسه على كل واحد منّا هو: أتريد المضيّ في طريق الصليب أم لا؟ هل أنت على استعداد أن تتعمد بمعمودية الآلام التي تعمّدتُ بها، وأن تشرب من الكأس التي شربتُ منها؟ (في إشارة إلى ما سألنا المسيح إياه في مرقس 10: 38-39)
القطيعة مع الوضع الراهن
لقد أوصى ذاك القائم من بين الأموات تلاميذه بالذهاب إلى العالم كله وإعلان بشارة الإنجيل لجميع الخلق، وبالدعوة إلى التوبة، وبتعميد الناس كعلامة على القطيعة الحاصلة ما بين المتعمدين وجميع القوى الشريرة لهذه الدنيا وأيضا كعلامة على دخولهم إلى شركة الموت والقيامة في الملكوت الجديد. (متى 28: 19-20)
إنَّ المعمودية تعني القطيعة مع الوضع الراهن، أي مع وضع العالم الحالي الذي يتبنى نظام يعتمد على القوة. وتعني إماتة الحياة الشريرة عند الفرد التي هي جزء من روحية العنف السائدة حولنا. وتعني التخلي عن ذلك النوع من الحياة الذي يستخدم وسائل عنيفة لفرض ذاته. وتعني الامتناع عن الانصياع للإلحاح الفطري في داخلنا لاستخدام القوة والعنف. ثم إنها تعني أننا سنوَدِّع وإلى الأبد جميع أمنياتنا للحصول على ثروات وممتلكات دنيوية؛ وهذا يشمل امتلاك الشهوة الجنسية. وهي تعني وضع حدّ لأسلوب المعيشة الذي يرمي إلى الملذات والدنس الجنسي غير الطاهر الذي يقضي على الحياة الحقيقية التي يقدمها الله.
والقطيعة تامة جدا بحيث لا يوجد أي تساؤل عن وجود أدنى مساومة فيها. (يعقوب 4: 4) فيجب أن نطرح عنا كليا جميع طرقنا القديمة المعتادين عليها وننبذها، ومن الضروري أن يحلّ محلها شيء مختلف، وشيء ثوري. (أفسس 4: 22-24) فهذه هي المهمة التي تبنيناها عند المعمودية، ألا وهي مهمة التبشير، أي مهمة نشر الوعد الأكيد من أنّ سيد الأكوان الذي سيأتي في المستقبل هو قادر أيضا على فرض سلطانه هنا والآن، وأينما يجري العمل بهذه المعمودية وأينما يتمّ الإيفاء بهذا التبشير.
هل يحتاج الأطفال الصغار إلى معمودية؟
أنّ الأطفال الصغار ليس محكوما عليهم بالهلاك الأبدي. ونحن على يقين من أنهم متحدين مع الله لأن محبة المسيح لا تُبعد أحد، بالإضافة إلى أنّ المسيح قد بذل حياته من أجلهم أيضا. ثم إنّ الله يحب جميع الأطفال، وكذلك كل من له الروح الطفولية البريئة سواء كان على الأرض أو في السماء. (متى 19: 13-15) ويريدنا الله أن نكون كلنا كالأطفال، ومملوئين من روح يسوع المسيح الطفولية البريئة.
إنّ الأطفال لا يحتاجون إلى معمودية، لأن المعمودية هي علامة على التوبة ومغفرة الخطايا، والتجديد. فالمعمودية علامة على أنّ الروح القدس قد حلّ على ذاك الذي لم يكن عنده الروح القدس بسبب شرّ حياته / أو حياتها السابقة.
نعترف عند المعمودية بخطايانا ونشهد بكل وضوح عن قناعتنا الوجدانية بشأن موضوع الخطيئة، ثم إننا نلمس أنّ الله رحيم، وأن خطايانا قد غُفرت، وأننا قد تُبْنَا عن شرّنا، وكذلك نؤمن بملكوت الله الآتي، وبأن جميع الأكوان ستتبدل في يوم من الأيام.
فلا ينبغي لنا أن نحمّل الأطفال الصغار بكل هذه الأعباء ونثقّل عليهم. فهم لم يدخلوا بعد في الدنيا التي قد عبأ فيه الشيطان وروحه العدائية قواته ضد الله وروحه القدوس - روح السلام. فهم ما يزالون محميين بروح المسيح الطفولية والبريئة أي الروح القدس.
ولكن سيتمّ الاعتراض عليها حينما نقول أنّ الطفل يعيش في الخطيئة الأصلية على الرغم من براءته شخصيا. وهذا صحيح. لكن الخطيئة الأصلية عند الأطفال الصغار تعني ما يلي: أولا، أنّ الأطفال لديهم نزعة موروثة نحو الشرّ والخير على حدّ سواء؛ وثانيا، أنهم معرضين للموت الجسدي، مثل كل البشر. وذلك لأن المرض والموت جاءا إلى العالم من خلال الخطيئة التي هي انفصال عن الله، ذاك الإله الحيّ. وللأسف، فإنّ أولادنا قد ورثوها؛ فهم بشر فانون. ولكن إذا كانت لنا شركة كاملة مع الله الأزلي؛ وإذا كنا متحفزين بالروح القدس الحيّ لفعل الخير وليس غير الخير وذلك بالقيام بأعمال ونشاطات طوعية وحيوية؛ وإذا مكثنا في حياة الله، وفي محبته، دون أي تعكير لصفاء علاقتنا الحية مع سلطان الله - فلن نفنى.
إنَّ الأطفال الرضع غير قادرين على تقديم الشهادة عن إيمانهم أو اختيار طريق المسيح بقرار واعٍ. لذا لا يمكننا التحدث حقا عن عهد يقطعه هؤلاء الصغار على نفوسهم عند معموديتهم بترك حياتهم السابقة، أي حياة الشرّ والفساد. فلا يمكنهم أن يفهموا شيئا عن الخليقة. فهم لا يستوعبون مدى فداحة سقوط الخليقة! ثم إنهم ليس في مقدورهم أن يستوعبوا من أنّ المسيح قد جاء فعلا وأنه قد وهبنا تحرّرا كاملا وشفاء كاملا!
وهم لا يستوعبون الروح القدس، الذي يحلّ على الكنيسة ويخلق اِتفاقا بالإجماع!
وبغض النظر عما تقدم، فإنّ الأطفال الرضع ليسوا بحاجة إلى المعمودية أساسا وذلك لأن العهد الذي يقدمه طالب العماد يستند على توبته (كما رأينا). إذ أنّ التوبة تعني الابتعاد عن الطرق الشريرة والفاسدة لعصرنا الحاضر، وتعني التوبة أيضا القطيعة مع الخطيئة وظلم هذا العالم. أما الأطفال الرضّع فلا يعلمون أي شيء عن كل هذه الأمور، فكيف لهم إذن أن يقيموا هذه القطيعة أو يتوبوا؟
وهذا يقودنا إلى أعمق سر عجيب نكنّ له الوقار فيما يتعلق بالأطفال الرضع. فقد مات يسوع المسيح من أجل خطايانا، ومن أجل خطايا العالم كله، ولذلك تقدم لنا تضحيته المصالحة والوحدة مع الله اللتان تحتضنان العالم كله وتشملانه بحنان الله الذي لا يستثني أحد. (يوحنا 1: 29) فنحن بحاجة إلى مغفرة الخطايا يوميا، تلك المغفرة التي صنعها يسوع المسيح بموته، مصالحا إيانا تماما مع الله. ولكن الأطفال الرضع لم يفعلوا حتى الآن أي شيء عمدا. فكل ما يفعلوه هو فطري. لذلك فإنّ المصالحة التي صنعها يسوع للعالم كله تسري أيضا على جميع الأطفال الرضع والأولاد الصغار. وقد تمّ رفض هذه الحقيقة المهمة للغاية من جانب الكنائس التقليدية. فهم يؤكدون على أنّ الأطفال غير المعمدين محكوم عليهم بالهلاك بسبب لعنة الخطيئة الأصلية. إلا أننا لا نؤمن بذلك، لأن يسوع المسيح فتح ذراعيه لهم وأحتضنهم، ولاعبهم وقبّلهم، وقال: "إنْ كُنتُم لا تَتَغيَّرونَ وتَصيرونَ مِثلَ الأطفالِ، فلن تَدخُلوا مَلكوتَ السَّماواتِ". وكذلك: "...لأنَّ لأمثالِ هَؤُلاءِ مَلكوتَ اللهِ...". (متى 18: 3؛ مرقس 10: 14-16)...
نحن ليس لدينا أدنى شك في أنّ الأطفال الصغار بحكم طبيعتهم ينتسبون إلى ملكوت الله، وإذا جاء أجلهم في أي سنّ مبكرة، فسيكونون أعضاء في ملكوت الله من ساعتهم، لأن المصالحة مع الله تنالهم أيضا؛ فهم مقبولون في ملكوت الله.
هذا المقال مقتطف من كتاب "ثورة الله"