Subtotal: $
Checkoutبيان مشترك للأبرشية الكاثوليكية الرومانية لولاية نيويورك ولمجتمعات كنيسة الحياة المشتركة برودرهوف Bruderhof بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2014م
تؤمن كل من الأبرشية الكاثوليكية الرومانية لولاية نيويورك ومجتمعات كنيسة الحياة المشتركة «برودرهوف،» بأن الله قد تتدخّل في تاريخ البشرية تدخُّلا حاسما وشافيا من خلال ولادة ابنه الوحيد يسوع المسيح، ومن خلال حياته الأرضية، وتعاليمه، وصلبه، وقيامته. ويعلمنا يسوع المسيح قائلا:
أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لاَ يَأْتِي أَحَدٌ إلى الآبِ إِلاَّ بِي. (يوحنا 14: 6)
إذ إنّ شخص يسوع المسيح، ابن الله، هو الذي كشف لنا ملء الحقّ الإلَهِيّ ومحبته.
لقد خلقنا الله كلنا من أجل أن نخدم أنفسنا، ونخدم الآخرين. فقد قال يسوع المسيح:
فأحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفسِكَ وكُلِّ فِكرِكَ وكُلِّ قُدرتِكَ. والوصيَّةُ الثَّانِيةُ: أحِبَّ قَريبَكَ مِثلما تُحِبُّ نَفسَكَ. وما مِنْ وصيَّةٍ أعظَمَ منْ هاتَينِ الوَصيَّتينَ. (مرقس 12: 30–31)
لقد وُلِدنا نحن البشر لنحب بطهارة قلب. فحياة الطهارة والعِفَّة بين الناس – سواء كانت في حالة الزواج أو العزوبة – هي مشيئة الله، وتجلب معها البهجة والسرور. إلاّ أن العِفَّة تتطلب الوفاء، والاستعداد للتضحية بالذات. فقد قال يسوع المسيح:
مَنْ أرادَ أنْ يَتبَعَني، فلْيُنكِرْ نَفسَهُ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يومٍ ويَتبَعْني. مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ حَياتَهُ يَخسَرُها، ومَنْ خَسِرَ حياتَهُ في سَبيلي يُخَلِّصُها. (لوقا 9: 23–24)
وفيما يخص الزواج، فقد كتب البابا يوحنا بولس الثاني، في رسالته الرسولية عن «كرامة النساء ودعوتهُنَّ الإلَهِيّة» كما يلي:
منذ البدء، لم يَدْعُ الله الرجل والمرأة ليعيشا مجرد جنبا إلى جنب أو معا فحسب بل ليعيشا أيضا وبصورة تبادلية «أحدهما لأجل الآخر.» .... فعلى أساس مبدأ التعايش المتبادل في «خدمة» الآخر ضمن علاقة «الاتحاد» الشخصية، ترتقي في الإنسانية عندئذ عملية التكامل بين ما هو ذكري وما هو أنثوي، وبتوافق مع مشيئة الله.
وبالروحيّة نفسها، يوضَّح كتاب كنيسة الحياة المشتركة «برودرهوف»: «أساس إيماننا ودعوتناFoundations of Our Faith and Calling » هذه النقطة عن الزواج قائلا:
لقد أعلن المسيح بأن الزواج هو اقتران مؤبد بين رجل واحد وامرأة واحدة جمعهما الله، ثم إنّ الزواج مقدس، وشرَّعه الله منذ البداية: «فمِنْ بَدءِ الخَليقَةِ جَعلَهُما اللهُ ذكَرًا وأُنثى. ولذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويتَّحِدُ باَمرأتِهِ، فيَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحدًا. فلا يكونانِ اَثنَينِ، بل جَسدٌ واحدٌ. وما جَمَعَهُ اللهُ لا يُفَرِّقُهُ الإنسانُ.» (مرقس 10: 6–9) .... والزواج هو من خَلْق الله وليس من اختراع البشر. فهو سِرّ، وله مكان الصدارة والسبق قبل سلطة الدولة، حتى أنه يفوقها. وعندما يصبح الرجل والمرأة جسدا واحدا في الزواج، يكون لاقترانهما علاقة سامية مع الله. فقد خلق الله الرجل والمرأة أحدهما للآخر، وخلقهما على صورته وشبهه، وكان يقصد من اقترانهما – وهي علاقة بخلاف غيرها من العلاقات – أن ينجبا ويربيا الأولاد.
ونؤمن كلنا بأن الحياة الجنسية للإنسان هي هِبة إلَهِيّة، موهوبة للجميع، ولكن المقصود منها أن لا يجري التعبير عنها إلّا في زواج رجل واحد بامرأة واحدة، وإلّا فينبغي أن تكون العلاقات بين الجنسين علاقة صداقة أخوية عفيفة. ومع ذلك، فمن الواضح أنه على مدى النصف الأخير للقرن الماضي، كان الجنس الشريف والعِفَّة قد تم إفسادهما إلى حد كبير في ثقافتنا. إذ تأخذنا الخطيئة البشرية دائما إلى عدم قبول ترتيب الله قبولا كليّا. ثم إنّ الشهوة الجنسية تُعطى لها حرية إباحية كبيرة، ولاسيَّما في الثقافة الغربية. وغالبا ما تقوم الكثير من وسائل الإعلام بتحفيز الشهوة، وتسخيرها لتحقيق الأرباح المادية. ثم إنّ خطايا الزنى، والصور الخليعة، والأفلام الخليعة، والمجامعة قبل الزواج، وممارسة العادة السرية، واستعمال وسائل منع الحمل، وممارسة المثلية الجنسية، والطلاق والزواج الثاني، قد أصبحت كلها مقبولة على نحو متزايد، حتى من قبل أولئك الذين يقولون إنهم أمناء ليسوع المسيح. وهذه الممارسات مدعومة صراحة، وغالبا ما يحميها القانون المدني. وأحد نتائجها إضعاف الإخلاص في الزواج، وفقدان الإحساس بقدسية العهد الزوجي.
إنّ رؤيتنا عن الحياة التي أبلغنا إياها يسوع المسيح، تعطينا الثقة والقوة لمواجهة هذه المشاكل. فالإنجيل أخبار سارّة! وما نعلنه نحن هو إنجيل الحياة والأخبار السارّة للحياة، فقد قال يسوع المسيح:
أمَّا أنا فجِئْتُ لِتكونَ لهُمُ الحياةُ، بل مِلءُ الحياةِ. (يوحنا 10: 10)
إنّ الرب يسوع المسيح يعلم جيدا بالتجارب وبمكايد إبليس التي نخوضها، فيهبنا التوجيه والقوة والنعمة للتغلب عليها. وفي الزواج المسيحي، تُمثِّل الوحدة بين الزوج والزوجة الوحدة بين المسيح وكنيسته المقدسة. وتحصل وعود زواجهما المتبادلة في حضور المسيح وكنيسته. والزواج مقدس ولا يُفْسَخ، أي أنه مؤبد. وقد حلَّت عليه بركة الله والكنيسة، وقد رأى الزوجان هذه البركة بصيغة الخدمة المتبادلة بينهما، والعيش الطاهر العفيف، والجمال، وسرور القلب. ثمّ إنّ الزواج مُوَحِّد ومُنجِب أيضا. فيصير الاثنان جسدا واحدا في نظر الله. ويعرف الزوجان حقّ المعرفة – عندما يُكنَّانِ توقيرا وجدانيا للزواج – أنّه من خلال الحب السامي، وبذل النفس، سيفتحان نفسيهما ليصيرا خالقين مع الله لجلب حياة جديدة ونفس جديدة إلى العالم. فكل طفل يولد لهما، إنما هو عطية إلَهِيّة مباركة، إضافة إلى مسؤولية جديدة. ومن خلال المحبة بين الوالدين، يحصل الأطفال على أول إحساس لمحبة الله.
إنّ السعي إلى التلذُّذ الجنسي الذاتي بشتى أشكاله هو إهانة لطهارة الزواج، ومن الواجب التغلب عليه بمعونة الله. إذ تُفسِد البذاءة الجنسية العلاقة الزوجية، وتُضعِفها، حينما يستخدم أحد الزوجين (أو كلاهما) الآخر كمادة للجنس. ويعطينا القديس بولس الرسول دليلا واضحا على كل من الحياة الزوجية، والحياة المسيحية، على حدٍّ سواء، فيقول:
أمَّا ثمَرُ الرُّوحِ فهوَ المَحبَّةُ والفَرَحُ والسَّلامُ والصَّبرُ واللُّطفُ والصَّلاحُ والأمانَةُ والوَداعَةُ والعَفافُ. (غلاطية 5: 22–23)
هناك موهبة إلهيَّة متميزة توهب لكل رجل أو امرأة يدعوهما الله ليعيشا حياة التَّبَتُّل والعزوبة في خدمة الله وأخينا الإنسان. ولو أخذتنا الظروف أحيانا إلى حياة العزوبة دون أن نختارها، لوجدنا أنفسنا أمام تحدٍ متميز، لنشهد للعِفَّة والنقاوة، وأيضا لخدمة الآخرين. ويحتاج هؤلاء الرجال والنساء في مثل هذه الحالة إلى نعمة الله، وإلى تفهُّم ودعم كل المسيحيين لهم.
وبدافع المحبة للمسيح ولجميع الناس، لابد أن يشجع رعاة الكنائس المسيحية المسيحيين المؤمنين، ليكون لهم موقف واضح في هذا الموضوع، ويشدَّدوا على فضيلة العِفَّة. لذلك، تتعاون بمثل هذه الروحية كل من الأبرشية الكاثوليكية الرومانية لولاية نيويورك ومجتمعات كنيسة الحياة المشتركة «برودرهوف» من أجل هذا الهدف. فنحن كلنا، كإخوة وأخوات في المسيح، يتقبَّل بعضنا بعضا باحترام، وبمقاسمة المحبة الأخوية، وإبداء اهتمام مشترك بمجتمعات بلادنا، التي قد اِكفهرَّت بسبب كل ما قد أفرزته الخطيئة من مآسٍ. ورغم حقيقة وجود بعض الاختلافات في التعاليم، غير أن مجتمعاتنا المؤمنة تقف معا باسم الإنجيل، لتطلق دعوة مشتركة إلى جميع أفراد شعب الله، لاحتضان قوة العِفَّة، والحشمة، والآداب، والعيش الشريف، في حياتهم الجنسية.
وبحسب كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية Catechism of the Catholic Church، تُعتبَر العِفَّة والاحتشام ونعمة الله أمورا متممة للحياة المسيحية. أما ضمن الفصل الذي يحمل عنوان «المعركة لأجل العِفَّة The Battle for Purity» فتعلن الكنيسة فيه ما يلي:
إنّ العِفَّة تستلزم الاحتشام. فالاحتشام جزء متمم لضبط النفس. وهو يستر أعزّ ما لدى الإنسان. كما يعني رفض كشف النقاب عما يجب أن يكون مستورا .... فيصون الاحتشام سِرّي الشخصين وحبهما. ويشجِّع على الصبر والاعتدال في علاقات الحب؛ ويطالب الزوج والزوجة بتنفيذ ما وَعَداه من وفاء وعطاء كاملين أحدهما تجاه الآخر .... وإضافة إلى ذلك، تحتاج العِفَّة المسيحية إلى تنقية الأجواء الاجتماعية. وتطالب وسائل الإعلام أن تعطي برامجها أهمية قصوى لمسألة الاحتشام والتحفُّظ .... وما يُدعى بالتسامح الأخلاقي إنما هو مجرد مفهوم مغلوط عن حرية الإنسان؛ ثم إنّ الشرط المسبق الضروري لتطوير الحرية الحقيقية هو أن يتعلم المرء القيم الأخلاقية .... أما البشرى السارَّة التي يعلنها المسيح فتعمل على تجديد حياة الإنسان الساقط، وتجديد تقاليده بصفة مستمرة؛ فتحارب وتزيل الآثام والشرور المتدفقة من الجاذبية الموجودة دائما في الخطيئة. ولا تكفّ البشرى السارَّة أبدا عن تنقية وتهذيب أخلاق الناس. إذ إنها تتبنى كل السجايا والمواهب الروحية لكل جيل ولكل أمة، وتجعلها تُزهِر وتزدهر، وكأنها تسكن في داخلهم؛ ويعود الفضل في ذلك إلى خصوبة البشرى الإنجيلية المُثرية ذات القدرة الخارقة، فهي تُسلِّحهم وتكمِّلهم وتعيدهم دائما إلى جادة الصواب في المسيح.
وفي كتاب « دعوة إلى حياة العِفَّة والنقاوة » يناشد المؤلف يوهان كريستوف آرنولد جميع الناس لكي يلزموا حياة العفاف، فيكتب قائلا:
لقد تخلّى، وببساطة، الكثير من الناس في يومنا هذا عن إمكانية العيش العفيف الشريف. فقد وقعوا في شراك خرافة «التحرّر» الجنسي، وحاولوا التعايش مع ما يسببه هذا التحرّر من خيبات الأمل، وعندما تنهار علاقاتهم، يلتمسون أسبابا أخرى لتبرير فشلهم وإخفاقهم. ويعجزون عن رؤية مدى روعة وعظمة نعمة العِفَّة ووصية الله بالحياة العفيفة النقية .... فحيثما توجد كنيسة مخلصة – أي بمعنى أيّ جماعة مسيحية تَعهَّدَ أفرادها بأن يحيوا بعلاقات مخلصة وصادقة – تحصل تلك الكنيسة على معونة وأمل لكل شخص ولكل زواج فيها.
إنّ دعوتنا الإلَهِيّة المشتركة لاتِّباع المسيح، ورغبتنا المشتركة في تشجيع ذوي النوايا الحسنة لكي يحيوا في عفاف ونقاء، تعملان على توحيد جميع مجتمعاتنا المؤمنة. وتحثّ الأبرشية الكاثوليكية الرومانية لولاية نيويورك ومجتمعات كنيسة الحياة المشتركة «برودرهوف» جميع الناس، ولاسيَّما أولئك المتعمدين باسم يسوع المسيح – على أن يعيشوا حياة عفيفة. وتلتمس بدورها مجتمعات كنيستينا حياة العِفَّة والنقاوة لأفرادها من خلال مناشدة القوة القديرة لنعمة الله. أما الذي تحتاج إليه ثقافتنا اليوم أكثر من أيّ شيء آخر، وما يحتاج إليه قلب كل إنسان أكثر من أيّ شيء آخر، فهو التعرّف على محبة الله، واحتضانها قلبيّا، من خلال أن نحيا وفقا لدعوتنا الأساسية التي دعانا الله إليها، ألا وهي: تقديس الحياة. وينطبق هذا بصفة خاصة على أطفالنا الذين يحتاجون إلينا كمثال صالح ليقتدوا به، حتى يتعلموا تبَنّي طريق يسوع المسيح كطريقهم الوحيد إلى السعادة، ورِضا النفس، في الحياة.
ثم إننا نأمل ونترجى في صلواتنا أن يفتح الله قلوب الناس أينما كانوا لقوة المحبة الحقيقية القادرة على تغيير النفوس. ونحن أيضا على دراية تامة بأننا لو فقدنا الشجاعة في جعل أفراد كنائسنا يتواجهون مع حقيقة المسيح، ولو توقفنا عن إلهامهم، صارت جهودنا لأجل الأخلاق ذات تأثير شبه معدوم. فالفكر العفيف، والجسد العفيف، والنفس العفيفة، من المتطلبات الرئيسية لحياة السرور والسلام. ورغم العقبات الموضوعة بسبب انتشار المعايير الأخلاقية المتضعضعة، إلاّ أن بناء تقاليد من الحياة التقيَّة التي يريدها الله، أمر ممكن. ويجب علينا أن لا ننسى أبدا أن الله يريد مصلحة كل إنسان، وأن «كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ» (مرقس 10: 27). آمين.
هذا البيان مدرج في كتاب: «دعوة إلى حياة العفة والنقاوة»