My Account Sign Out
My Account
Roots on the floor of a dark forest

سرطان النقمة والاستياء

ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟

بقلم

28 سبتمبر. 2024
2 تعليقات
2 تعليقات
2 تعليقات
    أرسِل
  • Wael

    رائع

  • hapi garis

    ربنا يبارك خدمتكم ويستخدمكم لأجل مجد اسمه فى اسم يسوع.امين

يجب على مَنْ يختار الانتقام أن يحفر قبرين. (مَثَل صيني)

 

إنَّ الغُفران هو الطريق إلى السلام والسعادة. وهو سرٌّ أيضًا، الذي إنْ لم نبحث عنه ظَلَّ مَخفِيًّا عَنَّا. وليس المقصود من هذا الكتاب أن يكون دليلاً عمليًّا للغُفران — لأنه من المستحيل أن تخبر شخصًا عن كيفية الغُفران — ولكني آمل حقًّا في أن يساعد هذا الكتاب على توضيح السبب وراء الحاجة إلى الغُفران.

 

إنَّ الغُفران ممكن تطبيقه. وهذا هو ما تظهره قصص هذا الكتاب، حيث تُعلِّم الناس على أن يغفروا حتى في أصعب الظروف. فأنا آملُ من خلال سرد تلك القصص في أن أقودك إلى باب الغُفران. وبمجرد وصولك إلى الباب، ستكون أنت الشخص الوحيد الذي يكون بمقدوره فتحه.

 

ماذا يعني الغُفران في الحقيقة؟ لقد قال سي. إس. لويس (كاتب وباحث من آيرلندا الشمالية، وهو الذي كتب سلسلة الأطفال الشهيرة نارنيا Narnia): «إنَّ الغُفران يتعدى حدود العدل والإنصاف البشري؛ إذ إنه يصفح عن تلك الأمور التي لا يمكن الصفح عنها أبدًا.» فهو أكثر من مسألة إعذار. فعندما نعذر شخصًا ما على ما اقترف، فإننا نعمل على التغاضي عن السيئة التي ارتكبها ولا نعاقبه عليها. ولكننا عندما نغفر له، فإننا لا نسامحه على خطأ أو فعل شرٍّ مُتعمِّد فحسب، بل إننا نحيطه بالمحبة أيضًا، ونسعى إلى إعادة تأهيله واستعادته مرة أخرى إلى الطريق السليم. وربما لا يكون غُفراننا مقبولاً دائمًا، لكن بمجرد المبادرة بتقديم الغُفران ستصبح نفوسنا طاهرة من مشاعر النِّقمة والاستياء. وربما نَظَلُّ مجروحين بجروح عميقة، ولكننا لن نستخدم أوجاعنا لإلحاق المزيد من الآلام بالآخرين.

 

عندما نعيد باستمرار تذكُّر الذكريات السلبية بطريقة بحيث نتذكَّر إساءة معينة فعلها شخص آخر بِحقِّنا، يستفحل الأمر فينا ويصبح ضغينة. ولا يهم ما إذا كان سبب هذه الضغينة حقيقيًّا أو خياليًّا: إذ إنَّ تأثير كليهما واحد. فبمجرد الوصول إلى تلك النقطة، سنجد أن الضغينة تبدأ تأكل بنا وتخلق القلق والاغتمام في نفوسنا حتى تطفح خارجًا وتؤدي إلى تآكُل كل شيء من حولنا.

 

ونحن كلنا نعرف أشخاصًا يشعرون بالمرارة والغيض. فمثل هؤلاء الأشخاص لديهم ذاكرة مذهلة لأدقِّ التفاصيل، وينغمسون بإفراط في فخ الشفقة على الذات وفي مرارة الاستياء. وتراهم يُصَنِّفون جميع الإساءات التي تَلَقَّوها من الآخرين بحسب نوعها، وهم مستعدون دائمًا لأن يُظهِروا للآخرين مدى الضرر الذي لحِق بهم. أمَّا ظاهريًّا فقد يبدون هادئين ومتماسكي النفس ومُنضبِطين، غير أنهم مملوؤون داخليًّا بكراهية مكبوتة.

 

ويدافع هؤلاء الناس باستمرار عن مشاعر الغضب التي في داخلهم على المواقف الجائرة بِحقِّهم: فهم يشعرون بأنهم تعرضوا لأذى عميق جدًا في أكثر الأحيان، وهذا في نظرهم يعفيهم إلى حدٍّ ما عن ضرورة الغُفران. إلاَّ أن هؤلاء الناس بالذات هم الذين يحتاجون إلى أن يغفروا للآخرين أكثر من غيرهم. فقلوبهم مملوءة أحيانًا بالبُغض والغِلِّ ومرارة الاستياء لدرجة أنهم لم يَعُدْ لديهم القدرة على المحبة.

 

منذ ما يقرب من عشرين سنة، تحدثنا أنا ووالدي كثيرًا مع امرأة لديها مثل هذه المشاعر بالذات، محاولين مساعدتها. فقد كان زوجها مُشرِفًا على الموت، ولكنها كانت مُتصلِّبة وعديمة الإحساس وبلا مشاعر كالصَّخْرِ. وكانت في نظر العالم تعيش حياة غير ملومة: إذ كانت شديدة الترتيب والنظافة والدقة في العمل، وتعمل بجد ونشاط، وأمينة، ومقتدرة، ويمكن الاعتماد عليها — ومع ذلك لم تستطِع أن تحب. وبعد أشهر من الصراع، اتضح السبب وراء شعورها بفتور القلب: إذ إنها لم تقدر على أن تغفر. ولم تستطِع أن تشير إلى أذية كبيرة واحدة، إلاَّ أن نفسها كانت مُثقَّلة بآلاف الضغائن الصغيرة.

 

إنَّ مشاعر الاستياء هي أكثر من مجرد نظرة سلبية للحياة. فهي مُدمِّرة، وتدمِّر الإنسان الذي يحملها أيضًا. والتمسُّك عمدًا بالضغائن على شخص آخر له تأثير كارثي على الروح. فهو يفتح الباب للشرِّ، ويجعلنا مُعرَّضين لأفكار الحقد والكراهية وحتى القتل. فإنه يدمِّر أرواحنا، ويمكنه أن يدمِّر صحتنا أيضًا. ونحن نعلم بأن الإجهاد النفسي يمكن أن يسبب قرحة في المعدة أو صُداعًا نصفيًّا، ولكننا غالبًا ما نعجز عن رؤية العلاقة بين مشاعر الاستياء والأرق على سبيل المثال. فقد أظهر أيضًا الباحثون الطبيون وجود صلة بين الغضب المكبوت والنوبات القلبية؛ فيبدو أن الذين يكتمون استياءهم يكونون عرضة للإصابة بالأمراض أكثر بكثير من أولئك القادرين على نزع فتيل الغضب والاستياء عن طريق التنفيس عن مشاعرهم وهمومهم.

 

*******

بريندا Brenda امرأة شابة، طُلِب مني مساعدتها منذ وقت ليس ببعيد. فكانت قد تَعرَّضت للاعتداء الجنسي من قِبل عمها القسيس. ورغم أنها كانت بلا أدنى شك ضحية بريئة لرجل فاسِد فسادًا مُروِّعًا، إلاَّ أنه كان يبدو بأن بريندا هي التي كانت تجعل بؤسها يتواصل — ولو جزئيًّا. فكانت ترفض بل لم يكن بمقدورها أن تجمِّع قواها الروحية لكي تغفر.

 

وأخيرًا، صرختْ بريندا إليَّ مُستغيثة من شدة اليأس، بعد أن أسكتها الخوف من الفضيحة وإدمانها على الكحول لعدة سنوات — الإدمان الذي كان مُعذِّبها (عمها) يدعمه بتقديم مشروب الفودكا لها هديةً يوميَّةً. ولقد جرَّبتْ شتى أنواع السبل لانتشالها من وضعها المُزري قبل أن تأتي إليَّ. فقد عُرِض عليها مشورات مُكثَّفة من الأطباء النفسانيين، وكان لديها كل وسائل الراحة المادية التي تتمناها. وكان لديها عمل جيد وشبكة واسعة من الأصدقاء الداعمين لها، وبُذِلتْ كل الجهود لإعادتها إلى وضعها الطبيعي. ورغم كل ذلك، كانت مشاعرها تتأرجح بصورة كبيرة ما بين الضحك المبتهج المفرط والبكاء الذي لا يمكن إيقافه. وأخذتْ تُسرِف في تناول الطعام يومًا ثم تصوم وتضرب عنه في اليوم التالي. وكانت تشرب — قنينة بعد قنينة.

 

ربما كانت بريندا واحدة من أصعب الناس الذين حاولتُ مساعدتهم. فكنتُ مترددًا للغاية في تحميلها أيِّ ذَرَّة من الشعور بالذنب، ومع ذلك بدا واضحًا لي أنها هي وحدها القادرة على أن تبادر بعملية الشفاء. فما لم تتعلم أن تبدأ الغُفران للشخص الذي أساء إليها، فإنها تَظَلُّ ضحيته. ولكن للأسف، كانت جميع مساعداتنا عَبَثًا. ولَمَّا كانت غاضبة ومرتبكة، أخذتْ تغرق بعمق كبير في اليأس والكآبة والإحباط، وأخيرًا، وبعد محاولتها خنق نفسها، نُقِلتْ إلى المستشفى.

 

إنَّ الجراح النفسيَّة التي يُخلِّفها الاعتداء الجنسي تستغرق سنوات حتى تلتئم؛ وغالبًا ما تترك مثل هذه الجراح آثارًا نفسيَّة دائمة. ولكن يجب أن لا يؤدي الأمر إلى الشعور بالعذاب مدى الحياة أو الانتحار. وأعرفُ حالات مشابهة لحالة بريندا، ولكنني وجدتُ أن الضحايا حصلوا على تحرُّر وحياة جديدة عندما غفروا للمُسيئين إليهم، وغفروا أيضًا لأولئك الذين سمحوا باستمرار جريان الاعتداء أو لأولئك الذين فشلوا في رؤية ما كان يحدث في أوانه لأجل إيقاف الاعتداء. وهذا لا يعني النسيان أو التغاضي عن الأمر — ولا يتوقف الأمر هنا بالتأكيد على شرط الالتقاء وجهًا لوجه مع المعتدي، الأمر الذي لا يُنصَح به. غير أنه يعني بالتأكيد اتخاذ قرار واعٍ بالتوقُّف عن الكراهية، لأن الكراهية لا يمكنها المساعدة أبدًا. فهي تنتشر في الشخص كالسرطان حتى تُدمِّره بالكامل.

 

*******

آن كولمان Anne Coleman وهي أُمٌّ من ولاية ديلاوير الأمريكية، التقيتُ بها قبل عدة أشهر، وأخبرتني بما حدث لابنها دانيال، الذي لم يستطِع أن يغفر، فقالت:

 

عندما قُتِلت بنتي فرانسِس في عام 1985م أصابني التدمير الكامل. ففي صباح أحد الأيام تلقيتُ مكالمة هاتفية من بنت أختي في لوس أنجلوس، وقالت لي: «فرانسِس ماتت، فقد أُطلق عليها النار.»

 

ولا أتذكر الصراخ، لكنني صرختُ فعلاً. وخططت للذهاب إلى كاليفورنيا في الحال، وفكرتُ وأنا على متن الطائرة في أنه بإمكاني أن أقتل شخصًا ما فعلاً: فلو كان معي سلاح ورأيتُ القاتل، لكنتُ قد قتلته على الأرجح.

 

وعندما نزلتُ من الطائرة أصبحتُ قلقة على الطريقة التي سأقابل بها ابني دانيال، الذي سيصل بالطائرة من ولاية هاواي. إذ كان دانيال رقيبًا في الجيش ومُدرَّبًا على القتل.

 

وعندما وصلنا، أنا وابني دانيال، إلى مركز الشرطة في صباح اليوم التالي، كان الشيء الوحيد الذي أخبرونا به هو أن بنتي فرانسِس ماتت، وأن أيَّ شيء آخر ليس من شأننا. وللأسف ظَلَّ الحال هكذا طوال الأيام التي مكثنا فيها في لوس أنجلوس. ثم أخبرني ضابط شرطة المباحث بأنه إنْ لم يتم القبض على الجاني في خلال أربعة أيام، فيجب أن لا أتوقع أنهم سيقبضون عليه لاحقًا! ثم استطرد قائلاً: «فنحن لدينا عدد كبير جدًا من جرائم القتل في هذا الجانب من المدينة، ولا نصرف وقتًا على جرائم القتل سوى أربعة أيام.»

 

أثار هذا الكلام غضب ابني دانيال. وعندما رأى دانيال أن مركز الشرطة غير مهتم حقًّا بالعثور على قاتل أخته، أراد أن يشترى رشاشة من نوع «عوزي» ويحصد الناس حصدًا.

 

ولم ينبهنا أحد بما سنراه عندما ذهبنا لنأخذ سيارة بنتنا فرانسِس من موقع الجريمة. فقد نزفت فرانسِس حتى الموت في سيارتها. إذ اخترقت الرصاصات الشريان الأورطي وقلبها ورئتيها كلتيهما. وقد اختنقت بدمها. وماتت في وقت مبكر من صباح يوم الأحد، وأخذنا سيارتها في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الثلاثاء. وكانت السيارة تبعث برائحة نتِنة. ولم تبرح تلك الرائحة من ذهن ابني دانيال، الذي أراد الانتقام بأسوأ طريقة. فقد أراد فعلاً أن يتحرَّك شخص ما ليفعل شيئًا يشفي الغليل — ليكون إجراءً من إجراءات العدالة لمقتل أخته.

 

ولاحظتُ على مدار العامين ونصف العام التاليين أن دانيال تسوء حالته بسرعة، ثم جاء يوم عندما وقفتُ بجانب قبر أخته لأشاهده وهو يُنزَّل إلى الأرض ليُدفَن هو أيضًا. لقد انتقم أخيرًا وأخذ بثأر أخته — أخذه من نفسه، بالانتحار. لقد رأيتُ ما تفعله الكراهية: إذ إنها تُدمِّر ذهن الإنسان وحياته.

 

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «لماذا نغفر؟»

Roots on the dark forest floor
مساهمة من JohannChristophArnold يوهان كريستوف آرنولد

هناك الكثير من المقالات والكتب الإلكترونية المجانية بقلم يوهان كريستوف آرنولد عن الزواج المسيحي واِتِّباع المسيح والصلاة والبحث عن السلام.

اِقرأ المزيد
2 تعليقات