Subtotal: $
Checkoutكنا قد نشرنا هذه المقالة قبل خمس سنوات حول كريستيان دي شرجي Christian de Chergé، وهو من السعاة للسلام الرائعيين والذي وردت قصته في كتابنا "لماذا نغفر؟" وقد عادت قصته الأخاذة إلى الحياة من خلال إحدى وسائل الإعلام: فقد تمّ إنتاج فيلماً كبيراً عنه من إخراج المخرج الفرنسي زافيه بوفوا Xavier Beauvois بعنوان "عن الله والبشر "Of Gods and Men". ويسعكم الحصول على الفيلم من Amazon.co.uk (باللغة الفرنسية، مع ترجمة بالإنكليزية)
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الاضطرابات في الشرق الأوسط وفي أرجاء العالم، فالمفتاح والمخرج من الأزمة هو أن يتغلب كل من المسلمين والمسيحيين على التوترات القائمة بينهم منذ قرون من الزمان. فنرى أن قصة كريستيان دي شرجي Christian de Chergé ، 1931 - 1996 تعطينا مثالاً رائعاً عن شخص ضحى بنفسه بينما كان يحاول رأب الصدع بين الطرفين.
لقد بدأ اهتمام دي شرجي بالإسلام في عام 1959 في الجزائر، حيث كان يرابط مع الجيش الفرنسي في قوات حفظ "السلام". وفي الوقت الذي صادق فيه هناك محمد، وهو شرطي مسلم، واعتادا أن يتمشيا معاً كل أسبوع ويتناقشان حول السياسة والثقافة واللاهوت. والموضوع الذي كان يُثار بينهما باستمرار هو موضوع العلاقة المتوترة بين مسيحي الجزائر (والذين هم مستعمريها الفرنسيين) والمسلمين (سكانها الأصليين). وحدث مرة في واحدة من هذه النزهات، أنهما تمّ مداهمتهما من قبل بعض الثوار الجزائريين الذين كانوا يتربصون بهما حيث نصبوا لهما كمينا. وكان دي شرجي متأكداً أن نهايته قد حانت لأنه كان يرتدي الملابس العسكرية. لكن محمد تدخّل ووقف بين صديقه والمهاجمين وقال لهم أن يتركوا دي شرجي بسلام، فقال لهم: "إنه رجل تقي". والأمر المثير للدهشة هو أنهم تركوا كلا الرجلين يذهبان في سبيلهما. لكن هذا الموقف الشجاع كلّف محمد حياته: فقد وجدوه مقتولاً في الشارع في اليوم التالي.
وأثرت هذه الحادثة في دي شرجي لأيام وغيّرت حياته كليّاً. فقرر أن يكرّس نفسه لله ولقضية السلام واللاعنف والمحبة. وعندما انتهت فترة خدمته عاد إلى فرنسا ودخل دير الترابيين Trappists (وهو من إحدى الحركات الرهبانية) وصار راهباً. ودرس لاحقاً ليصبح كاهناً وطلب أن يجري نقله إلى دير في الجزائر. وقد مُنحت له هذه الرغبة وعاد إلى أفريقيا، وأصبح أخيراً راعٍ كنسي في منطقة ريفية في جبال الأطلس وليس مستعمِراً. وباعتباره رئيساً للدير هناك فقد اتخذ قرارات لم تعجب رؤسائه في الدير والكنيسة في فرنسا الذين اعتبروا تصرفاته غير مألوفة وحتى غير حكيمة. فبدلا من قيامه بالتبشير فقط، عرض على الناس المحليين العاطلين عن العمل هناك بعض الوظائف ليشتغلوا بها بالإضافة إلى تقديمه الرعاية الطبية لهم فضلاً عن دروس في مجال محو الأمية وأيضاً تعليم اللغة الفرنسية. بالإضافة إلى أنه نظم مؤتمراً سنوياً بين الأديان لتعزيز الحوار الإسلامي - المسيحي. حتى أنه دعا المسلمين للبقاء في مجمّع نوتردام الأطلسي Notre-Dame dé Atlas، والذي هو بالحقيقة مكان ديره هناك. وبهذا أراد دي شرجي أن يبيّن للعالم أن في مقدور المسلمين والمسيحيين أن يعيشوا معاً تحت إله واحد وهو الله. وكما أوضحها قائلاً: "أنّ السبيل الوحيد لنا لنقدم الشهادة... هو أن نكون كما نحن على حقيقتنا في خضم الواقع اليومي العادي".
وكانت جماعة GIA (الجماعة الإسلامية المسلحة)، والتي ترتبط مع شبكة منظمة القاعدة، غاضبة على هؤلاء الرهبان، الذين اعتبروهم دخلاء على الرغم من الجهود التي كان دي شرجي يبذلها (أو يمكن بسببها؟). ففي وقت متأخر في إحدى الليالي في عام 1996، خطفت زمرة محلية من جماعة GIA دي شرجي وستة رهبان آخرين، واحتجزوهم كرهائن لعدة أسابيع، ومن ثم قطعوا رؤوسهم.
لكن القصة لا تنتهي هنا. فكان دي شرجي قبل عامين قد كتب خطاباً رائعاً لا يُصدق لأسرته في فرنسا. وكانت مختومة، لكي لا يجري فتحها إلا بعد وفاته. وهذا بعض مما كتبه:
إن كان عليّ أن أصبح في يوم من الأيّام - وربُمّا اليوم - ضحيّة للإرهاب الذي يبدو أنه يستهدف كلّ الأجانب الذين يعيشون في الجزائر، فأودُّ أن يتذكّر المُجتمع الذي أعيش فيه وكنيستي وعائلتي أنّ حياتي قد قدمتها لله وللجزائر؛ وأن يُسلِّموا بأن سيّد الحياة الوحيد لم يكن غافلاً عن الرحيل الفظيع الذي سينال مني وعن ذاك الرجل الذي سيغتالني.
وأنا على دراية كاملة من بعض التشويهات الزائدة التي تشجعها أيديولوجيات إسلامية معينة والتي تجعل من السهل للبعض أن يحكموا على هذا الدين على أنه مليء حقد وبغض. وسوف يبرر مقتلي رأي أولئك الذين حكموا عليّ بأنني ساذج في موقفي المحب للمسلمين، أو بأنني مثالي. ولكن ينبغي لمثل هؤلاء الناس أن يعرفوا بأنه صار في مقدوري أخيراً أن أرى أبناء الدين الإسلامي كما يراهم الله، الذي يكمن فرحه السرّي في جمع إنسانيتنا المشتركة بالرغم من اختلافاتنا.
عندما يحين الوقت، أودُّ أن تُتاح لي الفُرصة لأطلب الغُفران من الله لي ولإخواني البشر، ولأن أغفر من كلّ قلبي للشخص الذي سيقتلني.
لم أَتمنَّ ميتة كهذه. فيبدو لي أنّه من الضروري أن اذكر ذلك - فكيف سأفرح إذا جرى اتهام الشعب الجزائريّ الذي أحبُّه بقتلي؟
أشكر الله على هذه الحياة المفقودة التي أبذلها في سبيل الآخرين كما أوصانا يسوع المسيح أن نفعل، وفي شكري هذا، والذي أقدمه لكلّ شيء يحدث في حياتي من الآن فصاعداً، فأنا بالتأكيد... أودُّ أن أشملك هُنا في صلاتي يا صديق لحظاتي الأخيرة لأنّك لا تعلم ماذا تفعل... كما أسلمكم لله الذي أراكم في وجهه. ولعل بعضنا يجد بعضاً، يا أيها "اللصوص الطيبين" الفرحين في السماء، إن كان هذا يُسعد الله، الذي هو أبانا السماوي أجمعين.
يبرهن موت دي شرجي وإخوانه الرهبان للكثير من الناس عن الرأي المعروف عن الإسلام. ولكن دي شرجي أعتبره الثمن المتوقع للمضي في طريق السعي للسلام. أما أنا فأراه يمثل تحدياً يحمل سؤال لا مفر منه: فاليوم، عندما يستعد الكثير من الناس للموت في الحرب الحالية على الإرهاب - تلك الحرب التي ينظر إليها معظم الناس على أنها معركة بين أمريكا "المسيحية" وأعدائها المزعومين ألا وهم المسلمون - فهل أنا مستعد للموت من أجل السلام؟
هذا المقال مقتطف من كتاب"لماذا نغفر؟"
نذير
الكنيسة الكاثوليكية تتعاطى مع الحكومة وليس مع الشعب والخدمات الاجتماعية تقدم للمسلمين حصريا ونحن ابناء البلد كاثوليك حتى النخاع ولكن للأسف أكثر من نصف المرسلين يصدون الموعوظ الجزائري حتى يظهروا للنظام الجزائري ان كل اهتمامهم يقتصر على رعاية الاجانب والخدمات الانسانية تكون تحت قيادة جمعية الهلال الأحمر. ربما النهضة الكبيرة للإنجيليين ستعزز من صفنا لان الاساقفة حتى من عندهم الجنسية الجزائرية انما خائفين من بطش الحكومة